الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
المسألة الثالثة عشرة

اختلفوا في العلة الواحدة الشرعية هل تكون علة لحكمين شرعيين أو لا ؟ والمختار جوازه ، وذلك لأن العلة إما بمعنى الأمارة أو الباعث .

فإن كانت بمعنى الأمارة فغير ممتنع لا عقلا ولا شرعا ، نصب أمارة واحدة على حكمين مختلفين ، وذلك مما لا نعرف فيه خلافا كما لو قال الشارع : جعلت طلوع الهلال أمارة على وجوب الصوم والصلاة ونحوه .

>[1] وأما إن كانت بمعنى الباعث فلا يمتنع أيضا أن يكون الوصف الواحد باعثا للشرع على حكمين مختلفين أي مناسبا لهما ، وذلك كمناسبة شرب الخمر للتحريم ووجوب الحد ، وكذلك التصرف بالبيع من الأهل في المحل المرئي فإنه مناسب لصحة البيع ولزومه .

فإن قيل : إذا كان الوصف مناسبا لأحد الحكمين فمعنى كونه مناسبا له أنه لو رتب ذلك الحكم عليه لحصل مقصوده .

وعلى هذا فيمتنع أن يكون مناسبا للحكم الآخر لأنه لو ناسبه لكان بمعنى أن ترتيبه عليه محصل للمقصود منه ، وفي ذلك تحصيل الحاصل لكونه حاصلا به لحكم الآخر .

[ ص: 239 ] وأيضا فإنه إذا كان الوصف الواحد مناسبا لحكمين مختلفين فإما أن يناسبهما من جهة واحدة ، أو من جهتين مختلفتين ، فإن كان الأول فهو ممتنع ; إذ الشيء الواحد لا يكون مناسبا لشيء من جهة ما يناسب مخالفه .

وإن كان الثاني فعلة الحكمين مختلفة لا أنها متحدة .

والجواب عن الأول : أن معنى المناسب للحكم أعم مما ذكروه .

وذلك لأن المناسب ينقسم إلى ما ترتيب الحكم الواحد عليه ، يستقل بتحصيل مقصوده ، وذلك مما يمنع كونه مناسبا لحكمين بهذا التفسير ، وإلى ما يتوقف حصول مقصوده على ترتيب الحكم عليه ، وإن لم يكن ذلك الحكم وافيا بتحصيل المقصود دون الحكم الآخر .

وعلى هذا فامتناع مناسبة الوصف الواحد للحكمين بالتفسير الأول وإن كان لازما فلا يمتنع أن يكون مناسبا للحكمين بالتفسير الثاني .

وعن الإشكال الثاني : أنه إذا عرف أن معنى مناسبة الوصف للحكمين توقف حصول المقصود منه على شرع الحكمين فلا يمتنع أن يكون الوصف مناسبا لهما من جهة واحدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية