الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
[ ص: 65 ] المسألة الخامسة

ذهب أكثر أصحاب الشافعي إلى جواز إجراء القياس في الأسباب ، ومنع من ذلك أبو زيد الدبوسي >[1] وأصحاب أبي حنيفة وهو المختار .

وصورته إثبات كون اللواط سببا للحد بالقياس على الزنا .

ودليل ذلك أن الحكمة " وهي كونه إيلاج فرج في فرج محرم مشتهى طبعا " التي يكون الوصف سببا بها ، وهي الحكمة التي لأجلها يكون الحكم المرتب على الوصف ثابتا ، وعند ذلك فقياس أحد الوصفين على الآخر في حكم السببية لا بد وأن يكون لاشتراكهما في حكمة الحكم بالسببية .

وتلك الحكمة إما أن تكون منضبطة بنفسها ظاهرة جلية غير مضطربة وإما أن تكون خفية مضطربة .

فإن كان الأول : فلا يخلو إما أن يقال بأن الحكمة إذا كانت منضبطة بنفسها يصح الحكم بها أو لا يصح ؟ إذ الاختلاف في ذلك واقع ، فإن قيل بالأول كانت مستقلة بإثبات الحكم وهو الحد المرتب على الوصف ولا حاجة إلى الوصف المحكوم عليه بكونه سببا للاستغناء عنه ، وإن كان الثاني فقد امتنع التعليل والجمع بين الأصل والفرع بها .

وأما إن كانت خفية مضطربة ، فإما أن تكون مضبوطة بضابط أو لا ، فإن كانت مضبوطة بضابط فذلك الضابط لها هو السبب ، وهو القدر المشترك بين الأصل والفرع ، ولا حاجة إلى النظر إلى خصوص كل واحد من الوصفين المختلفين وهما الزنا واللواط هنا المقضي على أحدهما بالأصالة والآخر بالفرعية .

وإن لم تكن مضبوطة بضابط ، فالجمع بها يكون ممتنعا إجماعا لاحتمال التفاوت فيها بين الأصل والفرع ، فإن الحكم مما يختلف باختلاف الصور والأشخاص والأزمان والأحوال .

فإن قيل : ما المانع أن يكون الوصف الجامع بينهما هو الحكمة ، وما ذكرتموه من كون الحكمة إذا كانت خفية مضطربة يمتنع الجمع بها ; لاحتمال التفاوت فيها .

[ ص: 66 ] قلنا : احتمال التفاوت وإن كان قائما ، غير أن احتمال التساوي راجح وذلك لأنه يحتمل أن تكون الحكمة التي في الفرع مساوية لما في الأصل ، ويحتمل أن تكون راجحة ويحتمل أن تكون مرجوحة .

وعلى التقديرين الأولين فالمساواة حاصلة ، وزيادة على التقدير الثاني منهما ، وإنما تكون مرجوحة على التقدير الثالث ، وهو احتمال واحد ، ولا يخفى أن وقوع احتمال من احتمالين أغلب وقوعا من احتمال واحد بعينه ، فكان الجمع أولى ، ثم كيف وقد جعلتم القتل بالمثقل سببا لوجوب القصاص بالقياس على القتل بالمحدد ، وجعلتم اللواط سببا للحد بالقياس على الزنا ، وجعلتم النية في الوضوء شرطا لصحة الصلاة بالقياس على نية التيمم ؟ >[2] .

والجواب : أما ما ذكروه من دليل ظهور التساوي في الحكمة فلا يخلو إما أن يكون ذلك كافيا في الجمع أو لا يكون كافيا ، فإن كان كافيا فليجمع بين الأصل والفرع في الحكم المرتب على السبب ولا حاجة إلى الجمع بالسبب وإن لم يكن ذلك كافيا فهو المطلوب .

وما ذكروه من الإلزامات ، فلا وجه لها .

أما قياس القتل بالثقل على المحدد ، فلم يكن ذلك في السببية وإنما ذلك في إيجاب القصاص بجامع القتل العمد العدوان ، وهو السبب لا غير .

وأما قياس اللواط على الزنا ، فإنما كان ذلك في وجوب الحد بجامع إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعا محرم شرعا ; وذلك هو السبب مع قطع النظر عن خصوصية الزنا واللواط .

وأما قياس الوضوء على التيمم فإنما هو في اعتبار النية بجامع الطهارة المقصودة للصلاة ، وذلك هو السبب لا أن القياس في الاشتراط .

وعلى هذا النحو كل ما يرد من هذا القبيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية