الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
[ ص: 67 ] المسألة السادسة

اختلفوا في جواز إجراء القياس في جميع الأحكام الشرعية ، فأثبته بعض الشذوذ مصيرا منه إلى أن جميع الأحكام الشرعية من جنس واحد ، ولهذا تدخل جميعها تحت حد واحد ، وهو حد الحكم الشرعي ، وتشترك فيه ، وقد جاز على بعضها أن يكون ثابتا بالقياس ، وما جاز على بعض المتماثلات كان جائزا على الباقي ، وهو غير صحيح .

وذلك أنه وإن دخلت جميع الأحكام الشرعية تحت حد الحكم الشرعي ، وكان الحكم الشرعي من حيث هو حكم شرعي جنسا لها غير أنها متنوعة ومتمايزة بأمور موجبة لتنوعها .

وعلى هذا فلا مانع أن يكون ما جاز على بعضها وثبت له أن يكون ذلك له باعتبار خصوصيته وتعينه ، لا باعتبار ما به الاشتراك وهو عام لها .

كيف وإن ذلك مما يمتنع لثلاثة أوجه :

الأول : أنا قد بينا امتناع إجراء القياس في الأسباب والشروط ، وبينا أن حكم الشارع على الوصف بكونه سببا وشرطا حكم شرعي .

الثاني : أن ذلك إلى أمر ممتنع ، فكان ممتنعا .

وبيان لزوم ذلك أن كل قياس لا بد له من أصل يستند إليه - على ما علم - فلو كان كل حكم يثبت بالقياس لكان حكم أصل القياس ثابتا بالقياس ، وكذلك حكم أصل أصله ، فإن تسلسل الأمر إلى غير النهاية امتنع وجود قياس ما لتوقفه على أصول لا نهاية لها ، وإن انتهى إلى أصل لا يتوقف على القياس على أصل آخر ، فهو خلاف الفرض >[1] .

الثالث : أن من الأحكام ما ثبت غير معقول المعنى كضرب الدية على العاقلة ونحوه ، وما كان كذلك فإجراء القياس فيه متعذر ، وذلك لأن القياس فرع تعقل علة حكم الأصل وتعديتها إلى الفرع فما لا يعقل له علة فإثباته بالقياس يكون ممتنعا .

[ ص: 68 ] خاتمة لهذا الباب

القياس مأمور به لقوله تعالى : ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ) كما سبق تقريره ، وهو منقسم إلى واجب ومندوب .

والواجب منه منقسم إلى ما هو واجب على بعض الأعيان ، وذلك في حق كل من نزلت به نازلة من القضاة والمجتهدين ، ولا يقوم غيره فيها مقامه مع ضيق الوقت .

وإلى ما هو واجب على الكفاية ، وذلك بأن يكون كل واحد من المجتهدين يقوم مقام غيره في تعريف حكم ما حدث من الواقعة بالقياس .

وأما المندوب وهو القياس فيما يجوز حدوثه من الوقائع ولم يحدث بعد ، فإن المكلف قد يندب إليه ليكون حكمه معدا لوقت الحاجة ، وهل يوصف القياس بكونه دينا لله تعالى ؟ فذلك مما وصفه به القاضي عبد الجبار مطلقا ، ومنع منه أبو الهذيل ، وفصل الجبائي بين الواجب والمندوب منه ، فوصف الواجب بذلك دون المندوب .

والمختار أن يقال : إن عني بالدين ما كان من الأحكام المقصودة بحكم الأصالة كوجوب الفعل وحرمته ونحوه ، فالقياس واعتباره ليس بدين مقصود لنفسه بل لغيره .

وإن عني بالدين ما تعبدنا به كان مقصودا أصليا أو تابعا ، فالقياس من الدين لأنا متعبدون به على ما سبق ، وبالجملة فالمسألة لفظية .

التالي السابق


الخدمات العلمية