الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
[ ص: 73 ] الاعتراض الثالث ، فساد الوضع

واعلم أن صحة وضع القياس أن يكون على هيئة صالحة لاعتباره في ترتيب الحكم عليه ، وفساد الوضع لا يكون على الهيئة الصالحة لاعتباره في ترتيب الحكم .

وقد مثله الفقهاء بما تلقي الحكم فيه من مقابله ، كتلقي التضييق من التوسيع والتخفيف من التغليظ والإثبات من النفي وبالعكس .

وأن يكون ما جعله علة للحكم مشعرا بنقيض الحكم المرتب عليه ، وذلك كقولهم في النكاح بلفظ الهبة : لفظ ينعقد به غير النكاح فلا ينعقد به النكاح فإنه من حيث إنه ينعقد به غير النكاح يقتضي انعقاد النكاح به ، لا عدم الانعقاد لأن الاعتبار يقتضي الاعتبار لا عدم الاعتبار >[1] .

ومن ذلك قولهم مسح فيسن فيه التكرار وكمسح الاستطابة فإن المناط كونه مسحا والمسح تخفيف والتخفيف يشعر بالتخفيف ، والتكرار تثقيل .

وعلى هذا فكل فاسد الوضع فاسد الاعتبار ، وليس كل فاسد الاعتبار يكون فاسد الوضع ; لأن القياس قد يكون صحيح الوضع وإن كان اعتباره فاسدا بالنظر إلى أمر خارج ، كما سبق تقريره .

ولهذا وجب تقديم سؤال فساد الاعتبار على سؤال فساد الوضع ; لأن النظر في الأعم يجب أن يتقدم على النظر في الأخص لكون الأخص مشتملا على ما اشتمل عليه الأعم وزيادة .

وإذا عرف ما قررناه في سؤال فساد الوضع ، فلقائل أن يقول : اقتضاء الوصف لنقيض الحكم المرتب عليه ، إما أن يدعي أنه ( يراد به اقتضاؤه له أنه مناسب نقيض الحكم على ما هو إشعار اللفظ ، وإما اعتبار الوصف في نقيض الحكم في صوره كما قاله بعض المتأخرين .

فإن كان الأول فإما أن يدعي ) أنه مناسب لنقيض الحكم من الجهة التي تمسك بها المستدل ، أو من جهة أخرى . [ ص: 74 ] فإن كان ذلك من الجهة التي تمسك بها المستدل ; فيلزم منه أن يكون وصف المستدل غير مناسب لحكمه ضرورة أن الوصف الواحد لا يناسب حكمين متقابلين من جهة واحدة ، ولكن يرجع حاصله إلى القدح في المناسبة وعدم التأثير لا أنه سؤال آخر .

وإن كان ذلك من جهة أخرى ، فلا يمتنع مناسبة وصف المستدل لحكمه من الجهة التي تمسك بها ( ويرجع حاصله إلى سؤال الاشتراك في الدلالة وهو حقيقة المعارضة ; لأنه سؤال آخر ، وإن أريد باقتضائه لنقيض الحكم اعتباره في نقيض الحكم .

فلا يخلو إما أن يكون معتبرا في نقيض الحكم من الجهة التي تمسك بها المستدل أو من جهة أخرى ، فإن كان من جهة أخرى فلا يقدح في اعتباره في حكم المستدل من جهته فإنه جاز أن يعتبر الوصف الواحد في حكمين متقابلين يكون من جهتين كالصلاة في الدار المغصوبة ، وإن كان معتبرا في نقيض الحكم من الجهة التي تمسك بها المستدل فإنه وإن منع من اعتباره في حكم المستدل ضرورة امتناع اعتباره من جهة واحدة في حكمين متقابلين ، غير أن حاصله يرجع إلى سؤال القلب كما يأتي تحقيقه ، وسواء كان اعتباره في نقيض الحكم متفقا عليه أو ثابتا بالدليل لا أنه سؤال آخر ، وقد يشبه بسؤال النقض من وجه آخر من حيث أنا وجدنا العلة في صورة مع انتفاء الحكم لكن مع مزيد وهو كون العلة في صورة النقيض هو علة النقيض ، وجوابه من وجهين الأول مع اقتضاء الوصف لنقيض الحكم والقدح فيما أبداه المعترض ، الثاني أن نسلم ذلك ونبين أنه يقتضي الحكم الذي قصده من جهة أخرى ) >[2] ثم لا يخلو : إما أن تكون جهة المناسبة لنقيض الحكم معتبرة في صوره ، أو غير معتبرة ، فإن لم تكن معتبرة كان ما يبديه المستدل من جهة المناسبة كافيا في دفع السؤال ضرورة كونها معتبرة ، ومناسبة المعترض غير معتبرة ، وإن كانت مناسبة المعترض معتبرة فإن أورد المعترض ما ذكره في معرض المعارضة فقد انتقل عن سؤاله الأول إلى سؤال المعارضة ، ووجب على المستدل الترجيح لما ذكره ضرورة التساوي في المناسبة والاعتبار ، وإن لم يورد ذلك في معرض المعارضة وبقي مصرا على السؤال الأول فلا يحتاج المستدل إلى الترجيح لكونه خاصا بالمعارضة ، وهذا من مستحسنات صناعة الجدل فليتأمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية