الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
المسألة السابعة

ما لا يتم الواجب إلا به هل يوصف بالوجوب ؟

>[1] اختلفوا فيه ، ولا بد قبل الخوض في الحجاج من تلخيص محل النزاع فنقول : ما لا يتم الواجب إلا به .

إما أن يكون وجوبه مشروطا بذلك الشيء >[2] ، أو لا يكون مشروطا به .

فإن كان الأول فهو كما لو قال الشارع : ( أوجبت عليك الصلاة إن كنت متطهرا ) >[3] فلا خلاف في أن تحصيل الشرط ليس واجبا وإنما الواجب الصلاة إذا وجد الشرط .

[ ص: 111 ] وإن كان الثاني ، وهو أن يكون وجوبه مطلقا غير مشروط الوجوب بذلك الغير ، بل مشروط الوقوع فذلك هو محل النزاع إن كان الشرط مقدورا للمكلف ، وذلك كما لو وجبت الصلاة وتعذر وقوعها دون الطهارة ، أو وجب غسل الوجه ولم يكن >[4] إلا بغسل جزء من الرأس إلى غير ذلك .

وإن لم يكن الشرط مقدورا للمكلف فلا ، إلا على رأي من يجوز تكليف ما لا يطاق ، وذلك كحضور الإمام الجمعة وحصول تمام العدد فيها ، فإن ذلك غير مقدور لآحاد المكلفين .

>[5] وإذا تلخص محل النزاع ، فنقول : اتفق أصحابنا والمعتزلة على أن ما لا يتم الواجب إلا به ( وهو مقدور للمكلف ) فهو واجب ، خلافا لبعض الأصوليين .

قال أبو الحسين البصري : وإنما قلنا إن تحصيل الشرط واجب ; لأنه لو لم يجب بل كان تركه مباحا لكان الآمر كأنه قال للمأمور : لك مباح ألا تأتي بالشرط ، وأوجب عليك الفعل مع عدم الإتيان بما لا يتم إلا به ، وذلك تكليف بما لا يطاق ، وهو محال . وهذه الطريقة في غاية الفساد ; وذلك لأن وجوب المشروط إذا كان مطلقا فلا يلزم من إباحة الشرط أن يكون التكليف بالمشروط حالة عدم الشرط ، فإن عدمه غير لازم من إباحته ، بل حالة عدم وجوب الشرط ، وفرق بين الأمرين ، فلا يكون التكليف بالمشروط تكليفا بما لا يطاق ، ثم يقال له : إن كان التكليف بالمشروط حالة عدم الشرط محالا فالتكليف بالمشروط مشروط بوجود الشرط ، وكل ما وجوبه مشروط بشرط فالشرط لا يكون واجب التحصيل لما سبق ولا جواب عنه .

والأقرب في ذلك أن يقال : انعقد إجماع الأمة على إطلاق القول بوجوب تحصيل ما أوجبه الشارع ، وتحصيله إنما هو بتعاطي الأمور الممكنة من الإتيان به ، فإذا قيل : يجب التحصيل بما لا يكون واجبا كان متناقضا . وبالجملة فالمسألة وعرة ، والطرق ضيقة ، فليقنع بمثل هذا في هذا المضيق .

[ ص: 112 ] فإن قيل : القول بوجوب الشرط زيادة على ما اقتضاه الأمر بالمشروط ; إذ لا دلالة عليه ، والزيادة على النص نسخ ، ونسخ مدلول النص لا يكون إلا بنص آخر ، ولا نص . ثم لو كان واجبا لكان مقدورا حذرا من التكليف بما لا يطاق . وما يجب غسله من الرأس وإمساكه من الليل غير مقدور ، ولكان مثابا عليه ومعاقبا على تركه . والثواب والعقاب إنما هو على غسل الوجه وتركه ، وعلى صوم اليوم وتركه ، لا على مسح بعض الرأس وإمساك شيء من الليل ، ولهذا فإنه لو تصور الإتيان بالمشروط دون شرطه كان كذلك .

قلنا : جواب الأول أن النسخ إنما يلزم أن لو كان ما قيل بوجوبه رافعا لمقتضى النص الوارد بالمشروط ، وليس كذلك ، فإن مقتضاه وجوبه ووجوبه باق بحاله .

>[6] وجواب الثاني : أنه مبني على القول بأن كل واجب لا يقدر بقدر محدود ، فالزيادة على أقل ما ينطلق عليه الاسم هل توصف بالوجوب لكون نسبة الكل إلى الوجوب نسبة واحدة ، أو الواجب أقل ما ينطلق عليه الاسم والزيادة ندب . فمن ذهب إلى القول الأول قال : كل ما يأتي به من ذلك فهو واجب ، والأصح إنما هو القول الثاني ، وهو أن الواجب أقل ما ينطلق عليه الاسم ; إذ هو مكتف به من غير لوم على ترك الزيادة من غير بدل ، وهو مقدر .

وجواب الثالث بمنع ما ذكروه .

>[7] وجواب الرابع بأن الوجوب إنما يتحقق بالنسبة إلى العاجز عن الإتيان بالمشروط دون الشرط لا القادر .

التالي السابق


الخدمات العلمية