الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
وأما الترجيحات العائدة إلى المتن :

[ ص: 250 ] الأول منها : أن يكون أحدهما أمرا والآخر نهيا ، فالنهي من حيث هو نهي مرجح على الأمر لثلاثة أوجه :

الأول : أن الطلب فيه الترك أشد ، ولهذا لو قدر كون كل واحد منهما مطلقا فإن أكثر من قال بالخروج عن عهدة الأمر بالفعل مرة واحدة نازع في النهي .

الثاني : أن محامل النهي وهي تردده بين التحريم والكراهة لا غير أقل من محامل الأمر لتردده بين الوجوب والندب والإباحة على بعض الآراء .

الثالث : أن الغالب من النهي طلب دفع المفسدة ، ومن الأمر طلب تحصيل المصلحة واهتمام العقلاء بدفع المفاسد أكثر من اهتمامهم بتحصيل المصالح .

الترجيح الثاني : أن يكون أحدهما آمرا والآخر مبيحا ، فالآمر وإن ترجح على المبيح نظرا إلى أنه إن عمل به لا يصير مخالفا للمبيح ، ولا كذلك بالعكس لاستواء طرفي المباح وترجح جانب المأمور به ، إلا أن المبيح يترجح على الآمر من أربعة أوجه :

الأول : أن مدلول المبيح متحد ومدلول الآمر متعدد ، كما سبق تعريفه ، فكان أولى .

الثاني : أن غاية ما يلزم من العمل بالمبيح تأويل الآمر بصرفه عن محمله الظاهر إلى المحمل البعيد ، والعمل بالآمر يلزم منه تعطيل المبيح بالكلية ، والتأويل أولى من التعطيل .

الثالث : أن المبيح قد يمكن العمل بمقتضاه على تقديرين : على تقدير مساواته للآمر ورجحانه ، والعمل بمقتضى الأمر متوقف على الترجيح ، وما يتم العمل به على تقديرين يكون أولى مما لا يتم العمل به إلا على تقدير واحد .

الرابع : أن العمل بالمبيح بتقدير أن يكون الفعل مقصودا للمكلف لا يختل لكونه مقدورا له ، والعمل بالآمر يوجب الإخلال بمقصود الترك بتقدير كون الترك مقصودا له .

الترجيح الثالث : أن يكون أحدهما أمرا والآخر خبرا ، فالخبر يكون راجحا لثلاثة أوجه :

الأول : أن مدلول الخبر متحد بخلاف الأمر على ما سبق فكان أولى لبعده عن الاضطراب .

الثاني : أن الخبر أقوى في الدلالة ، ولهذا امتنع نسخه على بعض الآراء بخلاف الأمر .

[ ص: 251 ] الثالث : أن العمل يلزمه محذور الكذب في الخبر من كلام الشارع ، وهو فوق المحذور اللازم من فوات مقصود الأمر ، فكان الخبر أولى .

الترجيح الرابع : أن يكون أحدهما ناهيا والآخر مبيحا ، فالمبيح يكون مقدما على ما عرف في الآمر .

الخامس : أن يكون أحدهما نهيا ، والآخر خبرا ، فالخبر مقدم على النهي على ما عرف في الأمر أيضا .

السادس : أن يكون أحدهما مبيحا والآخر خبرا ، فالخبر مقدم لما سبق في الوجه الثاني والثالث في الأمر إذا عارض الخبر .

السابع : أن يكون أحدهما مشتركا والآخر غير مشترك ، بل متحد المدلول ، فما اتحد مدلوله أولى لبعده عن الخلل .

الثامن : أن يكون مدلول أحدهما حقيقيا والآخر مجازيا ، فالحقيقي أولى لعدم افتقاره إلى القرينة المخلة بالتفاهم .

التاسع : أن يكونا مشتركين ، إلا أن مدلولات أحدهما أقل من مدلولات الآخر ، فالأول أولى لقلة اضطرابه وقرب استعماله فيما هو المقصود منه .

العاشر : أن يكونا مجازين إلا أن أحدهما منقول مشهور في محل التجوز كلفظ الغائط بخلاف الآخر ، فالمنقول أولى لعدم افتقاره إلى القرينة .

الحادي عشر : أن يكون المصحح للتجوز في أحدهما أظهر وأشهر من الآخر ، فهو أولى .

الثاني عشر : أن يكون لفظ أحدهما مشتركا والآخر مجازا غير منقول .

وقد ذكرنا ما يستحقه كل واحد منهما من الترجيح في اللغات بطريق في الأمر >[1] بطريق الاستقصاء فعليك باعتباره والالتفات إليه .

الثالث عشر : أن يكونا حقيقين إلا أن أحدهما أظهر وأشهر ، فالأظهر مرجح .

الرابع عشر : أن تكون إحدى الحقيقتين متفقا عليها والأخرى مختلفا فيها ، فالمتفق عليه أولى ؛ لأنه أغلب على الظن .

[ ص: 252 ] الخامس عشر : أن تكون دلالة أحدهما غير محتاجة إلى إضمار ولا حذف بخلاف الأخرى ، فالذي لا يحتاج إلى ذلك أولى لقلة اضطرابه .

السادس عشر : أن يكون أحدهما يدل على مدلوله بالوضع الشرعي والآخر بالوضع اللغوي ، وكل واحد منهما مستعمل في الشرع ، فها هنا يظهر أن العمل باللفظ اللغوي يكون أولى ؛ لأنه من لسان الشارع مع كونه مقررا لوضع اللغة ، وما هو عرفه ومصطلحه ، وإن كان من لسانه إلا أنه مغير للوضع اللغوي .

ولا يخفى أن العمل بما هو من لسان الشارع من غير تغيير أولى من العمل بما هو من لسانه مع التغيير ، ولأنه أبعد عن الخلاف ، وهذا بخلاف ما إذا أطلق لفظا واحدا وكان له مدلول لغوي ، وقد استعاره الشارع في معنى آخر وصار عرفا له ، فإنه مهما أطلق الشارع ذلك اللفظ فيجب تنزيله على عرفه الشرعي دون اللغوي ؛ لأن الغالب من الشارع أنه إذا أطلق لفظا وله موضوع في عرفه أنه لا يريد به غيره .

السابع عشر : أن يكون العمل بأحدهما يلزم منه الجمع بين مجازين ، والآخر لا يلزم منه غير مجاز واحد ، فالذي فيه مجاز واحد أولى ؛ لأنه أبعد عن الاضطراب وأقرب إلى الأصل .

الثامن عشر : أن يكون أحدهما دالا على مطلوبه من وجهين أو أكثر ، والآخر لا يدل إلا من جهة واحدة ، فالذي كثرت جهة دلالته أولى ؛ لأنه أغلب على الظن .

التاسع عشر : أن تكون دلالة أحدهما مؤكدة دون الأخرى فالمؤكدة أولى ؛ لأنه أقوى دلالة وأغلب على الظن ، وذلك كما في قوله - عليه السلام - : " فنكاحها باطل باطل باطل " .

>[2] [ ص: 253 ] العشرون : أن تكون دلالة أحدهما على مدلوله بطريق المطابقة ، والآخر بدلالة الالتزام ، فدلالة المطابقة أولى ؛ لأنها أضبط .

الحادي والعشرون : أن يكونا دالين بجهة الاقتضاء إلا أن العمل بأحدهما في مدلوله ضرورة صدق المتكلم ، أو لضرورة وقوع الملفوظ به عقلا ، والآخر لضرورة وقوع الملفوظ به شرعا ، كما سبق تعريفه >[3] ، فما يتوقف عليه صدق المتكلم فوقوع الملفوظ به عقلا أولى ؛ نظرا إلى بعد الخلف في كلام الشارع ، وامتناع مخالفة المعقول وقرب المخالفة في المشروع .

الثاني والعشرون : أن يكونا دالين بجهة التنبيه والإيماء إلى أن أحدهما لو لم يقدر كون المذكور فيه علة للحكم المذكور معه كان ذكره عبثا وحشوا ، والآخر من قبيل ما رتب فيه الحكم على الوصف بفاء التعقيب ، فالذي لو لم يقدر فيه التعليل كان ذكره عبثا أولى من الآخر ؛ نظرا إلى محذور العبث في كلام الشارع ، وإلغاؤه أتم من محذور المخالفة لدلالة حرف الفاء على التعليل ، وإمكان تأويلها بغير السببية بل وهو أولى >[4] من سائر أنواع التنبيه والإيماء ؛ لما ذكرناه من زيادة المحذور ، وما دل على العلية بفاء التعقيب لظهورها ، مقدم على ما عداه من باقي أقسام التنبيه والإيماء .

الثالث والعشرون : أن يكونا دالين بجهة المفهوم إلا أن أحدهما من قبيل مفهوم المخالفة والآخر من قبيل مفهوم الموافقة ، فقد يمكن ترجيح مفهوم الموافقة على مفهوم المخالفة من جهة أنه متفق عليه ومختلف في مقابله ، وقد يمكن ترجيح مفهوم المخالفة عليه من وجهين :

الأول : أن فائدة مفهوم المخالفة التأسيس ، وفائدة مفهوم الموافقة التأكيد ، والتأسيس أصل والتأكيد فرع ، فكان مفهوم المخالفة أولى .

الثاني : أن مفهوم الموافقة لا يتم إلا بتقدير فهم المقصود من الحكم في محل النطق ، وبيان وجوده في محل السكوت ، وأن اقتضاءه للحكم في محل السكوت أشد .

[ ص: 254 ] وأما مفهوم المخالفة : فإنه يتم بتقدير عدم فهم المقصود من الحكم في محل النطق ، وبتقدير كونه غير متحقق في محل السكوت ، وبتقدير أن يكون له معارض في محل السكوت .

ولا يخفى أن ما يتم على تقديرات أربعة أولى مما لا يتم إلا على تقدير واحد .

الرابع والعشرون : أن تكون دلالة أحدهما من قبيل دلالة الاقتضاء ، ودلالة الآخر من قبيل دلالة الإشارة ، فدلالة الاقتضاء أولى لترجحها بقصد المتكلم لها بخلاف دلالة الإشارة .

الخامس والعشرون : أن تكون دلالة أحدهما من قبيل دلالة الاقتضاء والآخر من قبيل دلالة التنبيه والإيماء ، فدلالة الاقتضاء أولى لتوقف صدق المتكلم أو مدلول منطوقه عليه بخلاف دلالة التنبيه والإيماء .

السادس والعشرون : أن تكون دلالة أحدهما من قبيل دلالة الاقتضاء والآخر من قبيل دلالة المفهوم ، فدلالة الاقتضاء أولى لوقوع الاتفاق عليها ووقوع الخلاف في مقابلها ، ولأن ما يعترض دلالة الاقتضاء من المبطلات أقل مما يعترض المفهوم ، وبهذا كان ما كان من قبيل دلالة التنبيه والإيماء مقدما على دلالة المفهوم .

السابع والعشرون : أن تكون دلالة أحدهما من قبيل المنطوق والآخر من دلالة غير المنطوق ، فالمنطوق أولى لظهور دلالته وبعده عن الالتباس بخلاف مقابله .

الثامن والعشرون : أن يكون أحدهما عاما والآخر خاصا ، فالخاص مقدم على العام لثلاثة أوجه :

الأول : أنه أقوى في الدلالة وأخص بالمطلوب .

الثاني : أن العمل بالعام يلزم منه إبطال دلالة الخاص وتعطيله ، ولا يلزم من العمل بالخاص تعطيل العام بل تأويله وتخصيصه ، ولا يخفى أن محذور التعطيل فوق محذور التأويل .

الثالث : أن ضعف العموم بسبب تطرق التخصيص إليه ، وضعف الخصوص بسبب تأويله وصرفه عن ظاهره إلى مجازه ، ولا يخفى أن تطرق التخصيص إلى [ ص: 255 ] العمومات أكثر من تطرق التأويل إلى الخاص ، ولهذا كانت أكثر العمومات مخصصة وأكثر الظواهر الخاصة مقررة ، وبهذا يكون المطلق الدال على واحد لا بعينه مرجحا على العام .

التاسع والعشرون : أن يكون أحدهما عاما مخصصا والآخر غير مخصص ، فالذي لم يدخله التخصيص أولى لعدم تطرق الضعف إليه .

وعلى هذا فما كان عاما من وجه وخاصا من وجه يكون مرجحا على ما هو عام من كل وجه ، وكذلك المطلق من وجه والمقيد من وجه مرجح على ما هو مطلق من كل وجه ، وما هو منطوق من كل وجه مقدم على ما هو حقيقي من وجه دون وجه ، وكذلك الحقيقي من كل وجه مقدم على ما هو حقيقي من وجه دون وجه .

الثلاثون : أن يكونا عامين ، إلا أن أحدهما من قبيل الشرط والجزاء والآخر من قبيل النكرة المنفية ، فقد يمكن ترجيح دلالة الشرط والجزاء لكون الحكم فيه معللا بخلاف النكرة المنفية ، والمعلل أولى من غير المعلل ، وقد يمكن ترجيح دلالة نفي النكرة بأن دلالته أقوى ، ولهذا كان خروج الواحد منه يعد خلفا في الكلام ، عندما إذا قال : " لا رجل في الدار " وكان فيها رجل ، بخلاف مقابله ، وبهذا تكون دلالة النكرة المنفية أولى من جميع أقسام العموم .

الحادي والثلاثون : أن تكون دلالة أحدهما من قبيل دلالة الشرط والجزاء ، والآخر من قبيل أسماء الجموع ، فالأول أولى ؛ لأن أكثر من خالف في صيغ العموم وافق على صيغة الشرط والجزاء ، ولأن الدلالة فيه مشيرة إلى الحكم والعلة بخلاف مقابله ، وبهذا يكون أولى من باقي أقسام العموم .

الثاني والثلاثون : أن تكون دلالة أحدهما من قبيل الجمع المعرف والآخر جمع منكر ، فالمعرف أولى لوجهين : الأول أن بعض من وافق على عموم الجمع المعرف خالف في المنكر ، فكان أقوى لقربه إلى الوفاق ، الثاني : أنه لا يدخله الإبهام بخلاف المنكر فكان أولى ، >[5] ، وربما رجح المنكر بكونه دالا على عدد أقل من الجمع المعرف ، فكان أقرب إلى الخصوص فكان أولى .

[ ص: 256 ] الثالث والثلاثون : أن يكون أحدهما اسم جمع معرف والآخر اسم جنس دخله الألف واللام ، فاسم الجمع أولى ، لا مكان حمل اسم الجنس على الواحد المعهود بخلاف الجمع المعرف ، فكان أقوى عموما ، وبهذا يكون مقدما على ( من ) و ( ما ) .

الرابع والثلاثون : إذا كان أحدهما من قبيل اسم الجنس المعرف والآخر من قبيل ( من ) و ( ما ) ، فـ ( من ) و ( ما ) أولى لعدم احتمالهما للعهد ، واحتمال ما قابلهما له .

الخامس والثلاثون : أن يكون أحد الظاهرين مضطربا في لفظه بخلاف الآخر ، فغير المطرب أولى ؛ لأنه أدل على الحفظ والضبط .

السادس والثلاثون : أن يكون أحدهما قد دل على الحكم وعلته ، والآخر دل على الحكم دون علته ، فالدال على العلة أولى ؛ لأنه أقرب إلى الإيضاح والبيان .

السابع والثلاثون : أن يكون أحدهما قولا والآخر فعلا ، فالقول أولى ؛ لأنه أبلغ في البيان من الفعل ، وإن كان أحدهما قولا وفعلا والآخر قولا فقط فالقول والفعل أولى ؛ لأنه أقوى في البيان .

الثامن والثلاثون : أن يكون أحدهما مشتملا على زيادة لم يتعرض الآخر لها ، كرواية من روى أنه - عليه السلام - كبر في صلاة العيد سبعا >[6] فإنها مقدمة على رواية من روى أربعا >[7] لاشتمالها على زيادة علم خفي على الآخر .

[ ص: 257 ] التاسع والثلاثون : أن يكون أحد المنقولين الظاهرين إجماعا والآخر نصا >[8] ، وسواء كان من الكتاب أو السنة فالإجماع مرجح ؛ لأن النسخ مأمون فيه بخلاف النص .

الأربعون : أن يكونا إجماعين ظاهرين إلا أن أحدهما قد دخل فيه جميع أهل العصر والآخر لم يدخل فيه سوى أهل الحل والعقد ، فالذي دخل فيه الجميع أولى ؛ لأنه أغلب على الظن وأبعد عن الخلاف فيه .

الحادي والأربعون : أن يكون أحدهما قد دخل فيه مع أهل الحل والعقد الفقهاء الذين ليسوا أصوليين والأصوليين الذين ليسوا فقهاء وخرج عنه العوام ، والآخر بالعكس ، فالأول أولى لقربهم من المعرفة والإحاطة بأحكام الشرع واستنباطها من مداركها ، وبهذا المعنى يكون أيضا ما دخل فيه الأصولي الذي ليس بفقيه ولم يدخل الفقيه أولى مما هو بالعكس ؛ لأن الأصولي أعرف بمدارك الأحكام وكيفية تلقي الأحكام من المنطوق والمفهوم والأمر والنهي وغيره .

الثاني والأربعون : أن يكون أحدهما قد دخل فيه المجتهد المبتدع الذي ليس بكافر بخلاف الآخر ، فما دخل فيه المجتهد المبتدع أولى ؛ لأن الظاهر من حاله الصدق ، ولأنه أبعد عن الخلاف .

الثالث والأربعون : أن يكون أحدهما قد دخل فيه المجتهد المبتدع دون العوام والفروعيين الذين ليسوا أصوليين والأصوليون الذين ليسوا فروعيين والآخر بعكسه ، فما دخل فيه المبتدع أولى إذا الخلل في قوله : " إنما هو من جهة كذبه فيما يقول " والخلل في قول من عداه من المذكورين إنما هو من جهله وعدم إحاطته وعدم كماله ، ولا يخفى أن احتمال وقوع الخلل بجهة الكذب من الفاسق لحرمته وتعلق الإثم به أندر من الخلل الناشئ بسبب الجهل وعدم الإحاطة .

[ ص: 258 ] الرابع والأربعون : أن يكون أحد الإجماعين من الصحابة والآخر من التابعين ، فإجماع الصحابة أولى للثقة بعدالتهم وبعد تقاعدهم عن تحقيق الحق وإبطال الباطل وغلبة جدهم وكثرة اجتهادهم في تمهيد أحكام الشريعة ، ولأنه أبعد عن خلاف من خالف في إجماع غير الصحابة ، وعلى هذا فإجماع التابعين يكون مقدما على إجماع من بعدهم ؛ لقربهم من العصر الأول ولقوله - عليه السلام - : " خير القرون القرن الذي أنا فيه ثم الذي يليه " >[9] فإجماعهم يكون أغلب على الظن .

الخامس والأربعون : أن يكون أحد الإجماعين قد انقرض عصره بخلاف الآخر ، فما انقرض عصره يكون أولى لاستقراره وبعده عن الخلاف .

السادس والأربعون : أن يكون أحدهما مأخوذا عن انقسام الأمة في مسألة من المسائل على قولين في أنه إجماع على نفي قول ثالث ، والإجماع الآخر على إثبات القول الثالث ، فالإجماع على إثباته أولى ؛ لأنه أبعد عن اللبس وعما يقوله المنازع في الأول من وجوه القدح ويبديه من الاحتمالات .

السابع والأربعون : أن يكون أحدهما مسبوقا بالمخالفة بخلاف الآخر ، فالذي لم يسبق بالمخالفة أولى ؛ لأنه أغلب على الظن وأبعد عن الخلاف .

الثامن والأربعون : أن يكون أحدهما قد رجع بعض المجتهدين فيه عما حكم به موافقا للباقين لدليل ظهر له بخلاف الآخر ، فما لم يرجع فيه بعض المجتهدين أولى لبعده عن المناقضة والخلاف فيه .

التاسع والأربعون : أن يكون أحدهما إجماع الصحابة إلا أنه لم يدخل فيه غير المجتهدين ، والآخر من إجماع التابعين إلا أنه قد دخل فيه جميع أهل عصرهم ، فإجماع الصحابة أولى للوثوق بعدالتهم وزيادة جدهم ، كما سبق تقريره ، وفي معنى هذا يكون قد رجع واحد من الصحابة عن الواقعة بخلاف التابعين .

الخمسون : أن يكون أحدهما قد دخل فيه جميع أهل العصر إلا أنه لم ينقرض عصرهم والآخر بالعكس ، فما دخل فيه جميع أهل العصر أولى ؛ لأن غلبة الظن فيه متيقنة ، واحتمال الرجوع بسبب عدم انقراض العصر موهوم ، وفي معناه أن يكون [ ص: 259 ] ما لم ينقرض آلاف قد دخل فيه المجتهد المبتدع ، أو الأصولي الذي ليس فروعيا ، أو الفروعي الذي بأصولي ، والآخر بخلافه .

الحادي والخمسون : أن يكون أحدهما غير مأخوذ من انقسام الأمة على قولين كما سبق ، إلا أنه لم ينقرض عصره والآخر بعكسه ، فالأول أولى نظرا إلى أن جهة الإجماع فيه أقوى بيقين ، أو رجوع الواحد عنه قبل انقراض العصر موهوم ، وفي معناه إذا كان أحد إجماعين قد انقرض عصره إلا أنه مسبوق بالمخالفة والآخر بعكسه .

الثاني والخمسون : أن يكون أحد الإجماعين مأخوذا من انقسام الأمة على قولين إلا أنه غير مسبوق بمخالفة بعض المتقدمين ، والآخر بعكسه ، فالذي لم يكن مأخوذا من انقسام الأمة على قولين أولى لقوة الإجماع فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية