الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
المسألة الخامسة >[1] . اختلف أصحابنا والمعتزلة في جواز دخول النيابة فيما كلف به من الأفعال البدنية فأثبته أصحابنا ونفاه المعتزلة .

حجة أصحابنا على ذلك أنه لو قال القائل لغيره " أوجبت عليك خياطة هذا الثوب ، فإن خطته أو استنبت في خياطته أثبتك ، وإن تركت الأمرين عاقبتك " كان معقولا غير مردود ، وما كان كذلك فوروده من الشارع لا يكون ممتنعا .

ويدل على وقوعه ما روي عن النبي عليه السلام أنه رأى شخصا يحرم بالحج عن شبرمة ، فقال له النبي عليه السلام : " أحججت عن نفسك ، فقال : لا ، فقال له : حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة " >[2] . وهو صريح فيما نحن فيه .

فإن قيل : وجوب العبادات البدنية إنما كان ابتلاء وامتحانا من الله تعالى للعبد ، فإنه مطلوب للشارع لما فيه من كسر النفس الأمارة بالسوء وقهرها ، لكونها عدوة لله تعالى على ما قال عليه السلام حكاية عن ربه : " عاد نفسك ، فإنها [ ص: 150 ] انتصبت لمعاداتي تحصيلا للثواب على ذلك .

وذلك مما لا مدخل للنيابة فيه كما لا مدخل لها في باقي الصفات من الآلام واللذات ونحوها .

قلنا : أما الابتلاء والامتحان بالتكليف لما ذكروه وإن كان مع تعيين المكلف لأداء ما كلف به أشق مما كلف به مع تسويغ النيابة فيه ، فليس في ذلك مما يرفع أصل الكلفة والامتحان فيما سوغ له فيه الاستنابة .

فإن المشقة لازمة له بتقدير الإتيان به بنفسه ، وهو الغالب وبما يبذله من العوض للنائب بتقدير النيابة ويلتزمه من المنة بتقدير عدم العوض ، وليس المراعى في باب التكاليف أشقها وأعلاها رتبة ولذلك كانت متفاوتة >[3] .

وأما الثواب والعقاب فليس مما يجب على الله تعالى في مقابلة الفعل ، بل إن أثاب فبفضله وإن عاقب فبعدله كما عرف من أصلنا ، بل له أن يثيب العاصي ويعاقب الطائع >[4]

التالي السابق


الخدمات العلمية