الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
[ ص: 172 ] المقدمة الثانية

في معنى التأسي والمتابعة والموافقة والمخالفة إذ الحاجة داعية إلى معرفة ذلك فيما نرومه من النظر في مسائل الأفعال .

أما التأسي بالغير : فقد يكون في الفعل والترك .

أما التأسي في الفعل : فهو أن تفعل مثل فعله على وجهه من أجل فعله .

فقولنا : ( مثل فعله ) لأنه لا تأسي مع اختلاف صورة الفعل ، كالقيام والقعود .

وقولنا : ( على وجهه ) معناه المشاركة في غرض ذلك الفعل ونيته ; لأنه لا تأسي مع اختلاف الفعلين في كون أحدهما واجبا والآخر ليس بواجب وإن اتحدت الصورة .

وقولنا : ( من أجل فعله ) لأنه لو اتفق فعل شخصين في الصورة والصفة ، ولم يكن أحدهما من أجل الآخر ، كاتفاق جماعة في صلاة الظهر مثلا أو صوم رمضان اتباعا لأمر الله تعالى ، فإنه لا يقال بتأسي البعض بالبعض .

وعلى هذا ، فلو وقع فعله في مكان أو زمان مخصوص فلا مدخل له في المتابعة والتأسي .

وسواء تكرر أو لم يتكرر إلا أن يدل الدليل على اختصاص العبادة به ، كاختصاص الحج بعرفات ، واختصاص الصلوات بأوقاتها وصوم رمضان .

وأما التأسي في الترك ، فهو ترك أحد الشخصين مثل ما ترك الآخر من الأفعال على وجهه وصفته من أجل أنه ترك .

ولا يخفى وجه ما فيه من القيود .

وأما المتابعة ، فقد تكون في القول وقد تكون في الفعل والترك ، فاتباع القول هو امتثاله على الوجه الذي اقتضاه القول .

والاتباع في الفعل هو التأسي بعينه .

وأما الموافقة ، فمشاركة أحد الشخصين للآخر في صورة قول أو فعل أو ترك أو اعتقاد ذلك أو غير ذلك .

وسواء كان ذلك من أجل ذلك الآخر أو لا من أجله .

وأما المخالفة ، فقد تكون في القول ، وقد تكون في الفعل والترك فالمخالفة في القول ترك امتثال ما اقتضاه القول .

وأما المخالفة في الفعل ، فهو العدول عن فعل مثل ما فعله الغير مع وجوبه .

[ ص: 173 ] ولهذا فإن من فعل فعلا ولم يجب على غيره مثل فعله لا يقال له إنه مخالف في الفعل ، بتقدير الترك .

ولذلك لم تكن الحائض مخالفة بترك الصلاة لغيرها .

وعلى هذا فلا يخفى وجوه المخالفة في الترك .

وإذ أتينا على ما أردناه من ذكر المقدمتين ، فلنرجع إلى المقصود من المسائل المتعلقة بأفعال الرسول عليه السلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية