وأما المعقول فهو أن الخلق الكثير - وهم  
أهل كل عصر - إذا اتفقوا على حكم قضية وجزموا به جزما قاطعا ، فالعادة تحيل على مثلهم الحكم الجزم بذلك والقطع به  ، وليس له مستند قاطع  
>[1] بحيث لا يتنبه واحد منهم إلى الخطأ في القطع بما ليس بقاطع .  
ولهذا وجدنا أهل كل عصر قاطعين بتخطئة مخالف ما تقدم من إجماع من قبلهم ، ولولا أن يكون ذلك عن دليل قاطع لاستحال في العادة اتفاقهم على القطع بتخطئة المخالف ولا يقف واحد منهم على وجه الحق في ذلك .
ومن سلك هذه الطريقة المعنوية لم ير انعقاد الإجماع عندما إذا كان عدد المجمعين ينقص عن عدد التواتر ، ويلزمه أن لا يكون الإجماع المحتج به خصيصا بإجماع أهل الحل والعقد من المسلمين ، بل هو عام في إجماع كل من بلغ عددهم عدد التواتر وإن لم يكونوا مسلمين فضلا عن أهل الحل والعقد .  
وقد احتج  
الشيعة   على صحة الإجماع بأن  
>[2] ما من عصر إلا ولا بد فيه من إمام معصوم على ما قررناه من قاعدتهم في ذلك في " أبكار الأفكار " فإذا أجمع أهل الحل والعقد من أهل العصر على حكم حادثة فلا بد وأن يكون فيهم الإمام المعصوم لكونه سيد العلماء ، وإلا لما كان الاتفاق من جميع أهل الحل والعقد ، وهو خلاف الفرض .  
وإذا كان كذلك فالإمام المعصوم لا يقول إلا حقا      
[ ص: 224 ] مقطوعا به ، وما وافقه من قول باقي الأمة أيضا يكون مقطوعا به لكونه موافقا للمقطوع به ، ومخالف القاطع مخطئ لا محالة .  
ولقائل أن يقول : أما الحجة الأولى فالعادة لا تحيل الخطأ على الخلق الكثير بظنهم ما ليس قاطعا قاطعا .  
ولهذا فإن  
اليهود   مع كثرتهم كثرة تخرج عن حد التواتر قد أجمعوا على تكذيب  
محمد   عليه السلام وإنكار رسالته ، وليس ذلك إلا لخطئهم في ظن ما ليس قاطعا قاطعا .  
وبالجملة فإما أن يقال باستحالة الخطأ عليهم فيما ذهبوا إليه ، أو لا يقال باستحالته ، فإن كان الأول لزم أن لا يكون  
محمد   نبيا حقا لإجماعهم على تكذيبه ، وإن كان الثاني فهو المطلوب  
>[3]    .  
فإن قيل : ما ذكرتموه في إبطال التمسك هاهنا بالعادة لازم عليكم فيما ذكرتموه في الاحتجاج بالسنة على كون الإجماع حجة ، فإن حاصله آيل إلى الاحتجاج بالعادة ، وفيه إبطال ما قررتموه .  
قلنا : الذي تمسكنا به من العادة إحالة اتفاق الأمة على إسناد المقطوع إلى الأخبار التي مستند العلم بها وبمدلولها السماع المحسوس أو قرائن الأحوال ، والذي لا نحيله في العادة هاهنا إنما هو الغلط بظن ما ليس مقطوعا مقطوعا به فيما هو نظري وطرقه مختلفة ، وهو غير محسوس ، ولا مستند العلم به قرائن الأحوال فافترق البابان .   
[ ص: 225 ] وأما حجة  
الشيعة   فمبنية على وجود الإمام المعصوم في كل عصر ، وقد أبطلنا ذلك بالاعتراضات القادحة والإشكالات المشكلة على جهة الوفاء والاستقصاء في موضعه اللائق به من الإمامة في علم الكلام ، فعليك بمراجعته  
>[4]    .