صفحة جزء
ص - المانع : لو جاز لكانت كل واحدة مستقلة غير مستقلة ; لأن معنى استقلالها ثبوت الحكم بها ، فإذا انفردت ، ثبت الحكم بها ، فإذا تعددت ، تناقضت .

وأجيب بأن معنى استقلالها أنها إذا انفردت استقلت ، فلا تناقض في التعدد .

قالوا : لو جاز ، لاجتمع المثلان ، فيستلزم النقيضين ; لأن المحل يكون مستغنيا غير مستغن ، وفي الترتيب تحصيل الحاصل .

قلنا : في العلل العقلية ، فأما مدلول الدليلين فلا .

قالوا : لو جاز ، لما تعلق الأئمة في علة الربا بالترجيح ; لأن من ضرورته صحة الاستقلال .

وأجيب بأنهم تعرضوا للإبطال ، لا للترجيح ، ولو سلم ، فللإجماع على اتحاد العلة هاهنا ، وإلا لزم جعلها أجزاء .


ش - المانعون من جواز تعليل الحكم الواحد بعلل مستقلة احتجوا بثلاثة وجوه :

الأول : لو جاز تعليل الحكم الواحد بعلل مستقلة ، لكانت [ ص: 56 ] كل واحدة منها مستقلة غير مستقلة ، والتالي ظاهر الفساد ، فالمقدم مثله .

بيان الملازمة : أن معنى استقلال العلة ثبوت الحكم بها بانفرادها ، فإذا تعددت العلل المستقلة ، ثبت الحكم بكل واحدة منها ; لأنها علة مستقلة ، ولم يثبت بكل منها; لأنه ثبت بالجميع ، فيلزم التناقض .

أجاب بأن معنى استقلالها أنها إذا انفردت ، استقلت في العلية ، فيجوز أن تكون كل واحدة منها حالة الانفراد مستقلة ، وحالة الاجتماع غير مستقلة ، فلا يلزم التناقض في حالة التعدد لعدم استقلال كل منهما حينئذ ، والتناقض إنما نشأ من استقلالها حالة التعدد .

والثاني : لو جاز تعليل الحكم الواحد بعلتين مستقلتين ، يلزم اجتماع المثلين أو تحصيل الحاصل ، وكل واحد منهما محال ، أما الملازمة ; فلأن العلتين إما أن تكونا معا أو على الترتيب ، فإن كانتا معا ، يلزم اجتماع المثلين ; لأن وجود العلة المستقلة ملزومة لمعلولها ، فيلزم من كل واحدة منهما مثل ما لزم من الأخرى ، فيلزم اجتماع المثلين .

وإن كانتا على الترتيب ، يلزم تحصيل الحاصل .

أما بيان تحصيل الحاصل فظاهر ، وأما بيان استحالة اجتماع المثلين ; فلأنه يلتزم التناقض ; لأن محل التعليل ، يعني الحكم ، يكون مستغنيا عن كل واحدة منهما ، غير مستغن ; لأن حصول الحكم لكل واحدة منهما يوجب الاستغناء عن الأخرى .

[ ص: 57 ] قال بعض الشارحين : ولقائل أن يقول : الجمع بين المثلين لا اختصاص له بالمعية ، ولا تحصيل الحاصل بالترتيب ، إذ لو حصلت العلتان معا أو ترتبا ، فإن كان تأثير الكل في كل واحد معين ، كان تحصيل الحاصل ، وإن كان في غيره لزم اجتماع المثلين .

وفيه نظر ; لأن اختصاص تحصيل الحاصل بالترتيب ظاهر ; لأن العلتين إذا حصلتا معا ، كان فعلهما أيضا معا ، فلا يتصور تحصيل الحاصل في فعل واحدة منهما ; لأن تحصيل الحاصل إنما يتصور إذا حصل شيء بعد حصوله مرة أخرى .

وأما اجتماع المثلين ، وإن كان لا اختصاص له بالمعية ، إلا أنه لما كان الترتيب مستلزما لتحصيل الحاصل ، وتحصيل الحاصل أظهر فسادا من اجتماع المثلين ، لم يتعرض في الترتيب لاجتماع المثلين ، بل بين استلزامه لما هو أظهر فسادا منه .

ثم قال : وأيضا لم يحتج في لزوم الاستغناء وعدمه إلى توسط الجمع بين المثلين ، وهو حق .

أجاب المصنف بأن اجتماع المثلين أو تحصيل الحاصل إنما يلزم من العلتين المستقلتين في العلل العقلية المفيدة لوجود المعلول ، وأما في العلل الشرعية التي هي دلائل الأحكام فلا; لأنه جاز أن يكون لمدلول واحد دليلان ، أو دلائل .

الثالث : لو جاز تعليل الحكم الواحد بعلتين أو علل ، كل واحدة منها مستقلة ، لما تعلقت الأئمة في علة الربا بالترجيح ، يعني ترجيح عللها من الطعم والقوت والكيل ، بعضها على بعض ، [ ص: 58 ] والتالي باطل ; لأنهم تعلقوا بالترجيح .

بيان الملازمة : أن من ضرورة جواز تعليل الحكم الواحد بعلتين أو علل ، كل واحدة منها مستقلة ، صحة استقلال كل منها بالعلية ، والترجيح ينافي صحة الاستقلال ; لأنه إذا صح أن يكون كل واحدة منها علة مستقلة ، جاز أن يكون الجميع علة ، فلا وجه للترجيح .

أجاب بأنهم تعرضوا للطعم والقوت والكيل ; لإبطال كون الغير علة بالترجيح .

ولو سلم أنهم تعرضوا للترجيح ، فلا نسلم أنهم تعرضوا للترجيح ; لامتناع التعليل بعلتين مستقلتين ، بل للإجماع على اتحاد العلة هاهنا ، أي في الربا ، وإلا - أي وإن لم يتعرضوا للترجيح - لزم جعلها - أي جعل علل الربا - أجزاء للعلة ; لأنهم لما أجمعوا على اتحاد العلة هاهنا ، لم يمكن أن يجعل كل واحدة منها علة مستقلة .

فلو لم يتعرضوا للترجيح حتى يتعين الراجح للعلية ، يلزم أن يكون كل منها جزء علة ; لأن جعل أحدهما علة من غير ترجيح محال ، ولا قائل بكون كل منها جزء علة .

التالي السابق


الخدمات العلمية