صفحة جزء
ص - قالوا : لو صح تركبها ، لكانت العلية صفة زائدة ; لأنا نعقل المجموع ونجهل كونها علة ، والمجهول غير المعلوم ، وتقرير الثانية أنها إن قامت بكل جزء ، فكل جزء علة ، وإن قامت بجزء ، فهو العلة .

وأجيب بجريانه في المتعدد بأنه خبر أو استخبار .

والتحقيق أن معنى العلة : ما قضى الشارع بالحكم عنده للحكمة ، لا أنها صفة زائدة ، [ ص: 77 ] ولو سلم ، فليست وجودية ; لاستحالة قيام المعنى بالمعني .

قالوا : يلزم أن يكون عدم كل جزء علة لعدم صفة العلية; لانتفائها بعدمه ، ويلزم نقضها بعدم ثان بعد أول ; لاستحالة تجدد عدم العدم .

وأجيب بأن عدم الجزء عدم شرط العلية ، ولو سلم ، فهو كالبول بعد اللمس وعكسه . ووجهـه أنها علامات ، فلا بعد في اجتماعها ضربة ومترتبة ، فيجب ذلك .


ش - المانعون من جواز كون العلة مركبة احتجوا بوجهين :

الأول : لو صح تركب العلة مع أوصاف متعددة ، لكانت العلية صفة زائدة على مجموع تلك الأوصاف ، والتالي باطل .

أما بيان الملازمة; فلأنا نعقل مجموع تلك الأوصاف ، ونجهل كونها علة ، والمجهول غير المعلوم ، وغير جزئه ، فتكون [ ص: 78 ] العلة زائدة . وأما بيان بطلان التالي ، وإليه أشار بقوله : وتقرير الثانية ; فلأن العلية إن قامت بكل واحد من تلك الأوصاف ، يكون كل واحد علة ، وإن قامت بوصف واحد ، فهو العلة ، وقد فرض بخلافها .

وأورد على هذا بأنه يجوز أن تكون العلية قائمة بالمجموع ، من حيث هو مجموع ، فحينئذ لا يلزم شيء مما ذكرتم .

أجيب بأنها إن قامت بالمجموع من حيث هو مجموع ، فلا بد للمجموع من وحدة بها يكون المجموع مجموعا ، وينقل الكلام من العلية إلى تلك الوحدة ، ويلزم التسلسل .

وفيه نظر ; فإن الوحدة من الأمور الاعتبارية ، والتسلسل في الأمور الاعتبارية لا يكون محالا .

أجاب المصنف بالنقض الإجمالي ، فإن هذا الدليل بعينه يجري في كون الكلام خبرا واستخبارا ، وذلك لأن الكلام مركب من الألفاظ المتعددة ، وكونه خبرا واستخبارا صفة زائدة عليه ، فإن قام بكل واحد من الألفاظ [ ص: 79 ] يلزم أن يكون كل واحد خبرا ، وإن قام بجزء واحد ، يلزم أن يكون هو الخبر .

ثم بين التحقيق ، وهو أن معنى العلية : قضاء الشارع بالحكم عند وجود الوصف للحكمة ، لا أن العلية صفة زائدة ، إذ قضاء الشارع بالحكم عند الوصف ليس صفة للوصف ، فضلا عن أن يكون صفة زائدة .

وإذا لم تكن العلية صفة زائدة ، لم يلزم شيء مما ذكر ، ولو سلم أن العلة صفة زائدة ، فليست وجودية ، وإلا يلزم قيام المعنى بالمعنى ، أي قيام العرض بالعرض ; لأن العلية عرض ، ومجموع الأوصاف أيضا عرض ، فيلزم قيام العرض بالعرض ، وهو محال .

الثاني : أنه لو كان المركب من الأوصاف علة ، يلزم أن يكون عدم كل منه علة ; لعدم صفة العلية ، والتالي باطل .

أما الملازمة ; فلانتفاء صفة العلية بانتفاء كل جزء من المركب ; لأن العلية تنتفي بانتفاء المركب ; لأن الصفة تنتفي بانتفاء الذات ، والمركب ينتفي بانتفاء كل جزء منه .

[ ص: 80 ] وأما بطلان التالي ; فلأنه يلزم نقض علية عدم كل جزء لعدم صفة العلية ، أي يلزم تحقق عدم الجزء بدون عدم صفة العلية ; لأنه لو عدم جزء ثان بعد انعدام جزء أول ، يلزم عدم العلية بانعدام الجزء الأول ، ولا ينعدم العلة بعدم الجزء الثاني ; لاستحالة تجدد عدم المعدوم ; لأن المعدوم لا يعدم .

أجاب بأن عدم الجزء لا يكون علة لعدم العلية ; لأن وجود كل جزء شرط للعلية ، وعدم الشرط لا يكون علة لعدم المشروط ، فلا يكون عدم الجزء موجبا لعدم العلية ، فلا يلزم النقض ، وإن سلم أن عدم كل جزء علة لعدم العلية ، فهو كوقوع البول بعد اللمس ، وبالعكس ، أي وقوع اللمس بعد البول في كون كل واحد منهما علة لوجوب الوضوء .

ووجهه أن كل واحد من العلل الشرعية علامات للأحكام الشرعية ، ولا بعد في اجتماع العلامات دفعة واحدة ، أو على سبيل الترتيب ، فلا يلزم النقض .

قوله : فيجب ذلك ، أي حتى يجب النقض .

التالي السابق


الخدمات العلمية