الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
[ ص: 358 ] القاعدة الثالثة 1 - : لم أرها الآن لأصحابنا رحمهم الله ، وأرجو من كرم الفتاح أن يفتح بها أو بشيء من مسائلها ; 2 - : وهي الإيثار في القرب 3 - ، وقال الشافعية : الإيثار في القرب مكروه ، وفي غيرها محبوب .

[ ص: 359 ] قال الله تعالى { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } ، وقال الشيخ عز الدين : لا إيثار في القربات فلا إيثار بماء الطهارة ، ولا بستر العورة ، ولا بالصف الأول ; لأن الغرض بالعبادات التعظيم ، والإجلال ; فمن آثر به فقد ترك إجلال الإله ، وتعظيمه .

وقال الإمام : لو دخل الوقت ، ومعه ماء يتوضأ به فوهبه لغيره ; ليتوضأ به لم يجز ، لا أعرف فيه خلافا ; لأن الإيثار إنما يكون فيما يتعلق بالنفوس لا فيما يتعلق بالقرب ، والعبادات .

وقال في شرح المهذب في باب الجمعة : لا يقام أحد من مجلسه ليجلس في موضعه فإن قام باختياره لم يكره ، فإن انتقل إلى أبعد من الإمام كره .

قال أصحابنا رحمهم الله : لأنه آثر بالقربة ، وقال الشيخ أبو محمد في الفروق : من دخل عليه وقت الصلاة ، ومعه ماء يكفيه بطهارته ، وهناك من يحتاجه للطهارة لم يجز له الإيثار ، ولو أراد المضطر إيثار غيره بالطعام ; لاستبقاء مهجته كان له ذلك ، وإن خاف فوات مهجته ، والفرق أن الحق في الطهارة لله تعالى فلا يسوغ فيه الإيثار ، والحق في حال المخمصة لنفسه .


[ ص: 358 ] قوله : لم أرها الآن لأصحابنا إلخ : أقول : في المضمرات نقلا عن النصاب ، وإن سبق أحد بالدخول إلى المسجد ، وأخذ مكانه في الصف الأول فدخل رجل أكبر منه سنا أو أهل علم ، ينبغي له أن يتأخر ، ويقدمه تعظيما له ( انتهى ) .

قيل : فهذا مفيد لجواز الإيثار في القرب عملا بعموم قوله تعالى { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } إلا إذا قام دليل تخصيص ، ومما يدل على جواز الإيثار في القرب ما قالوه : إن من الآداب أن يبدأ بغسل أيدي الشبان قبل الطعام ، وبأيدي الشيوخ بعده فالشيوخ يؤثرون الشبان قبله ، ويقدمونهم ، والشبان يؤثرون الشيوخ بعده مع أن غسل الأيدي قبل الطعام ، وبعده سنة فهذا إيثار في القرب ( انتهى ) ، وفيه تأمل .

( 2 ) قوله : وهي الإيثار في القرب : الإيثار : أن يؤثر غيره بالشيء مع حاجته إليه ، وعكسه الأثرة ، وهي استيثاره عن أخيه بما هو محتاج إليه ، ومنه قوله عليه السلام { ستلقون بعدي أثرة } ، والإيثار ضربان : الأول : أن يكون فيما للنفس فيه حظ فهو مطلوب كالمضطر يؤثر بطعامه غيره إن كان ذلك الغير مسلما لقوله تعالى { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } . والثاني : في القرب كمن يؤثر بالصف الأول غيره ، ويتأخر أو يؤثره بقربه من الإمام في الصلاة ونحوه ، وهو لا يجوز ، كذا في قواعد الزركشي .

( 3 ) قوله : قال الشافعية : الإيثار في القرب مكروه : أقول : قد قدمنا [ ص: 359 ] عن قواعد الزركشي قريبا أن الإيثار في القرب لا يجوز فإن كان عندهم يقال للمكروه غير جائز فلا مخالفة حينئذ بين العبارتين

التالي السابق


الخدمات العلمية