صفحة جزء
[ ص: 129 ] 5 - فصل

[ الأصناف التي تؤخذ منها الجزية ]

ولا يتعين في الجزية ذهب ولا فضة ، بل يجوز أخذها مما تيسر من أموالهم من ثياب وسلاح يعملونه ، وحديد ونحاس ومواش وحبوب وعروض وغير ذلك .

وقد دل على ذلك سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمل خلفائه الراشدين ، وهو مذهب الشافعي وأبي عبيد .

ونص عليه أحمد في رواية الأثرم ، وقد سأله : يؤخذ في الجزية غير الذهب والفضة ؟ قال : نعم ، دينار أو قيمته معافر .

والمعافر ثياب تكون باليمن .

وذهب في ذلك إلى حديث معاذ رضي الله عنه ، الذي رواه في " مسنده " بإسناد جيد عن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بعثه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافر .

ورواه أهل " السنن " ، وقال الترمذي : حديث حسن .

[ ص: 130 ] وكذلك أهل نجران لم يأخذ في جزيتهم ذهبا ولا فضة وإنما أخذ منهم الحلل والسلاح .

فروى أبو داود في " سننه " عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : صالح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل نجران على ألفي حلة ، النصف في صفر والنصف في رجب يؤدونها إلى المسلمين ، وعلى ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح ، [ ص: 131 ] يقرون بها، والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم إن كان باليمن كيد أو غدرة ، على ألا يهدم لهم بيعة ولا يخرج لهم قس ، ولا يفتنون عن دينهم ما لم يحدثوا حدثا أو يأكلوا الربا .

وهو صريح في أن أهل الذمة إذا أحدثوا في الإسلام أولم يلتزموا ما شرطوا عليهم فلا ذمة لهم ، وقد دل على ذلك القرآن والسنة واتفاق الصحابة رضي الله عنهم كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .

قال الزهري : أول من أعطى الجزية أهل نجران ، وكانوا نصارى وقد أخذ منهم الحلل ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأخذ النعم في الجزية .

وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأخذ الجزية من كل ذي صنعة من متاعه ؛ من صاحب الإبر إبرا ، ومن صاحب المسان مسان ، ومن صاحب الحبال حبالا ، ثم يدعو الناس فيعطيهم الذهب والفضة فيقتسمونه ، ثم يقول : خذوا فاقتسموا فيقولون : لا حاجة لنا فيه ، فيقول : أخذتم خياره وتركتم شراره لتحملنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية