صفحة جزء
194 - فصل في أدلة من ذهب إلى أن أطفال المسلمين في الجنة .

فمنها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما من المسلمين من يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهم الله الجنة بفضل رحمته بحالهم يوم القيامة ، فيقال لهم : ادخلوا الجنة ، فيقولون : لا حتى يدخل آباؤنا ، فيقال : لهم ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم بفضل رحمتي " .

وفي لفظ : " ما من مسلم مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا [ ص: 1082 ] كانوا له حجابا من النار " .

ومنها حديثه أيضا ، وقيل له : حدثنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث يطيب أنفسنا عن موتانا ، فقال : سمعته يقول : " صغارهم دعاميص الجنة ، يتلقى أحدهم أباه ، فيأخذ بثوبه كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا ، فلا ينتهي حتى يدخله الله وأبويه الجنة " .

ومنها حديث معاوية بن قرة ، عن أبيه أن رجلا جاء بابنه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أتحبه ؟ " فقال : أحبك الله يا رسول الله كما أحبه ، فتوفي الصبي ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أين فلان بن فلان ؟ قالوا : يا رسول الله ، توفي ابنه ثم دخل الرجل ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أما ترضى ألا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا جاء يفتحه [ ص: 1083 ] لك ؟ " فقالوا : يا رسول الله ، أله وحده أم لنا كلنا ؟ فقال : " بل لكم كلكم " .

ومنها حديث أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من مسلم يتوفى له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم " .

وهذه الأحاديث أكثرها في " الصحيح " وكلها صحيحة ، وهذا القول في أطفال المسلمين هو المعروف من قواعد الشرع حتى إن الإمام أحمد أنكر الخلاف فيه ، وأثبت بعضهم الخلاف ، وقال : إنما الإجماع على أولاد الأنبياء خاصة .

وأبو عمر اضطرب في النقل في هذا الباب ، فقال عند كلامه على " تأويل الفطرة " : قد أجمع المسلمون من أهل السنة وغيرهم إلا [ ص: 1084 ] المجبرة على أن أولاد المؤمنين في الجنة .

ثم لما ذكر الأخبار التي احتج بها من قال : إن الأطفال جميعهم في المشيئة ، قال : فهذه الآثار ، وما كان مثلها احتج بها من ذهب إلى الوقوف عن الشهادة لأطفال المسلمين ، أو المشركين بجنة ، أو نار ، وإليها ذهبت جماعة كبيرة من أهل الفقه والحديث : منهم حماد بن زيد ، وحماد بن سلمة ، وابن المبارك ، وإسحاق بن راهويه ، وغيرهم ، وهو يشبه ما رسمه مالك في أبواب ( القدر ) ، وما أورد في ذلك من الأحاديث ، وعلى ذلك أكثر [ ص: 1085 ] أصحابه ، وليس عن مالك فيه شيء منصوص ، إلا أن المتأخرين من أصحابه ذهبوا إلى أن أطفال المسلمين في الجنة ، وأطفال المشركين خاصة في المشيئة ، لآثار رويت في ذلك .

هذا ما ذكره في باب أبي الزناد في " التمهيد " .

وقال في باب ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب : " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد " الحديث : " قد أجمع العلماء على أن أطفال المسلمين في الجنة ، ولا أعلم عن جماعتهم في ذلك خلافا إلا فرقة شذت من المجبرة فجعلتهم في المشيئة ، وهو قول شاذ مهجور مردود بإجماع أهل الحجة الذين لا يجوز مخالفتهم ، ولا يجوز على مثلهم الغلط في مثل هذا ، إلى ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أخبار الآحاد والثقات " .

فتأمل كيف ذكر الإجماع على أن أطفال المسلمين في الجنة ، وأنه لا يعلم في ذلك نزاعا ، وجعل القول بالمشيئة فيهم قولا شاذا مهجورا ، ونسبه في الباب الآخر إلى الحمادين وابن المبارك ، وإسحاق بن راهويه وأكثر أصحاب مالك ، وهذا من السهو الذي هو عرضة للإنسان ، ورب العالمين هو الذي لا يضل ، ولا ينسى .

التالي السابق


الخدمات العلمية