[ ص: 15 ] الطبقة الأولى : 
فيها أربعة وثلاثون مجلسا  
[ ص: 16 ]  [ ص: 17 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
المجلس الأول في 
ذكر آدم  عليه الصلاة والسلام 
الحمد لله الذي سير بقدرته الفلك والفلك ، ودبر بصنعته النور والحلك ، اختار آدم فحسده الشيطان وغبطه الملك ، وافتخروا بالتسبيح والتقديس فأما إبليس فهلك 
قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك تعالى عن وزير ، وتنزه عن نظير ، قبل من خلقه اليسير ، وأعطى من رزقه الكثير ، أنشأ السحاب الغزير يحمل الماء النمير ليعم عباده بالخير ويمير ، فكلما قصر القطر في الوقع صاح الرعد بصوت الأمير ، وكلما أظلمت مسالك الغيث لاح البرق يوضح وينير ، فقامت الورق على الورق تصدح بالمدح على جنبات الغدير ، فالجماد ينطق بلسان حاله ، والنبات يتكلم بحركاته وبأشكاله ، والكل إلى التوحيد يشير ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . 
أحمده وهو بالحمد جدير وأقر بأنه مالك التصوير والتصبير . 
وأصلي على 
محمد  رسوله البشير النذير ، وعلى صاحبه 
 nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق  وعلى 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر  ذي العدل العزير ، وعلى 
 nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان  مجهز جيش العسرة في الزمان العسير ، وعلى 
 nindex.php?page=showalam&ids=8علي  المخصوص بالموالاة يوم الغدير ، وعلى عمه 
 nindex.php?page=showalam&ids=18العباس  المستسقى به الماء النمير . 
اللهم صل على 
محمد  وعلى آل 
محمد  وألهمنا القيام بحقك وبارك لنا في الحلال من رزقك ، وعد علينا في كل حال برفقك ، وانفعني بما أقول والحاضرين من خلقك برحمتك يا أرحم الراحمين . 
قال الله تعالى : 
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة  . 
" إذ " كلمة جعلت لما مضى من الأوقات ، فكأنه قال اذكر ذلك الوقت . 
والملائكة واحدهم ملك والأصل ملأك وأنشد سيبويه : 
فلست بإنسي ولكن لملأك تنزل من جو السماء يصوب 
 [ ص: 18 ] ومعنى ملأك : صاحب رسالة ، يقال مألكة وملأكة . 
واختلف العلماء ما المقصود بإعلام الملائكة بخلق 
آدم  عليه السلام على تسعة أقوال : 
أحدها : أنه أراد إظهار كبر إبليس ، وكان ذلك قد خفي على الملائكة لما يرون من تعبده ، رواه 
الضحاك  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .  
والثاني : ليبلو طاعة الملائكة ، قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن .  
والثالث : أنه لما خلق الله تعالى النار جزعت الملائكة ، فقال : هذه لمن عصاني فقالوا : أو يأتي علينا زمان نعصيك فيه ؟ فأخبرهم بخلق غيرهم ، قاله 
ابن زيد .  
والرابع : أنه أراد إظهار عجزهم عما يعلمه لأنهم قاسوا على حال من كان قبل 
آدم .  
والخامس : أن الملائكة التي طردت الجن من الأرض قبل 
آدم  أقاموا في الأرض يعبدون ، فأخبرهم أني جاعل في الأرض خليفة ليوطنوا أنفسهم على العزل . 
والسادس : أنهم ظنوا أن الله لا يخلق خلقا أكرم منهم ، فأخبرهم بما يخلق . 
والسابع : أنه أعلمهم بما سيكون ليعلموا علمه بالحادثات . 
والثامن : أنه أراد تعظيم 
آدم  بذكره قبل وجوده . 
والتاسع : أنه أعلمهم أنه خلقه ليسكنه الأرض ، وإن كان ابتداء خلقه في السماء . 
والخليفة : القائم مقام غيره ، يقال : خلف الخليفة خلافة وخليفي ، وعلى وزن ذلك أحرف منها : خطيبي من الخطبة ، ورديدي من الرد ، ودليلي من الدلالة ، وحجيزي من حجزت ، وهزيمي من هزمت . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13742أبو بكر ابن الأنباري :  والأصل في الخليفة : خليف فدخلت الهاء للمبالغة في مدحه بهذا الوصف كما قالوا : علامة ونسابة وراوية . 
وفي معنى خلافته قولان: 
أحدهما : خليفة عن الله تعالى في إقامة شرعه . روي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس   nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد .  
والثاني : أنه خلف من كان في الأرض قبله ، روي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .  
قوله تعالى : 
أتجعل فيها من يفسد فيها الألف للاستفهام وفيها ثلاثة أقوال : 
أحدها : أنه استفهام إنكار ، والتقدير : كيف تفعل هذا ، وهو لا يليق بالحكمة ، وروى 
 nindex.php?page=showalam&ids=17330يحيى بن كثير  عن 
أبيه  قال : كان الذين قالوا هذا عشرة آلاف من الملائكة فأرسلت عليهم نار فأحرقتهم .  
[ ص: 19 ] 
والثاني : أنه استفهام إيجاب ، تقديره : ستجعل كما قال 
جرير :  
ألستم خير من ركب المطايا . 
قاله 
أبو عبيدة .  
والثالث أنه استفهام استعلام . 
ثم في مرادهم أربعة أقوال : 
أحدها : أنهم استعلموا وجه الحكمة في جعل من يفسد ، والثاني : أنهم استعظموا معصية المستخلفين فكأنهم قالوا : كيف يعصونك وقد استخلفتهم ، وإنما ينبغي أن يسبحوا كما نسبح نحن ، والثالث : أنهم تعجبوا من استخلاف من يفسد ، والرابع : أنهم استفهموا عن حال أنفسهم ، فتقدير الكلام : أتجعل فيها من يفسد ونحن نسبح أم لا ، ذكره 
ابن الأنباري .  
والمراد بالفساد العمل بالمعاصي ، وسفك الدم : صبه وإراقته ، وشدد السين 
أبو نهيك ،  وقرأ 
 nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة بن مصرف   " يسفك " بضم الفاء . 
والتسبيح : التنزيه لله من كل سوء ، والتقديس : التطهير ، والمعنى ننزهك ونعظمك . 
قوله تعالى : 
إني أعلم ما لا تعلمون أي أنه سيكون من ذريته أنبياء وصالحون . 
وأما خلق 
آدم  فأخبرنا هبة الله الشيباني قال : أخبرنا الحسن بن علي التميمي ، قال : أخبرنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15018أحمد بن جعفر ،  قال : أخبرنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد ،  قال : حدثني 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أبي ،  قال : حدثني 
 nindex.php?page=showalam&ids=16769محمد بن جعفر ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16732عوف الأعرابي ،  عن 
قسامة بن زهير ،  nindex.php?page=hadith&LINKID=699606عن  nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله تعالى خلق آدم  من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم  على قدر الأرض ، جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك ، والخبيث والطيب ، والسهل والحزن ، وبين ذلك " . 
واختلف العلماء فيمن جاء بالطين الذي خلق منه 
آدم ،  على قولين : 
أحدهما : أنه إبليس ، قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس   nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود .  
والثاني : ملك الموت ، قال 
السدي  عن أشياخه : بعث الله ملك الموت فجاء بالطين فبل ، ثم ترك أربعين سنة حتى أنتن ، ثم نفخ فيه الروح .  
[ ص: 20 ] 
حدثنا 
عبد الله بن محمد القاضي بن علي المديني ،  قال أخبرنا 
أحمد بن يحيى النقور ،  قال أخبرنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13052ابن حبابة ،  قال حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13890البغوي ،  قال حدثنا 
هدبة ،  قال حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15603ثابت ،  nindex.php?page=hadith&LINKID=665660عن  nindex.php?page=showalam&ids=9أنس  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لما نفخ في آدم  الروح مارت فطارت فصارت في رأسه فعطس فقال : الحمد لله ، فقال له الله تعالى : رحمك الله "  . 
قال العلماء : خلق 
آدم  يوم الجمعة وكان طوله ستون ذراعا وعرضه سبعة أذرع . 
وفي تسميته 
آدم  قولان : 
أحدهما : لأنه خلق من أديم الأرض ، قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ،  وأديم الأرض وجهه . 
والثاني : أنه مأخوذ من الأدمة وهي سمرة اللون ، قاله 
الضحاك .  
قوله تعالى : 
وعلم آدم الأسماء كلها والصحيح أن هذا على إطلاقه فإن قوما قالوا : علمه أسماء الملائكة . 
قوله تعالى : 
ثم عرضهم يعني المسميات ، فقال للملائكة : " أنبئوني " أي أخبروني بأسماء هؤلاء . 
وفي قوله : 
إن كنتم صادقين ثلاثة أقوال : 
أحدها : إن كنتم صادقين أن بني 
آدم  يفسدون ويسفكون الدماء . قاله 
السدي  عن أشياخه . 
والثاني : إن كنتم صادقين أني لا أخلق أعلم منكم وأفضل . قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن .  
والثالث : أن المراد إبليس ، لأنه قال : إن فضلت عليه لأهلكنه ، فالتقدير إن كنت صادقا إنك تفعل ذلك فأنبئني بأسماء هؤلاء . 
فلما أنبأهم بأسمائهم أقرت الملائكة بالعجز 
قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا فقال : 
يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم  . قال الله تعالى : 
ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض أي ما غاب فيها 
وأعلم ما تبدون من الطاعة 
وما كنتم تكتمون من أن الله لا يخلق أفضل منكم ، وقيل : ما كتم إبليس من الكبر . 
ثم أمر الله تعالى الملائكة بالسجود له فسجدوا إلا إبليس . 
أنبأنا 
محمد بن عمر الأرموي ،  قال : أنبأنا 
أبو الحسين محمد بن علي المهندي ،  قال :  
[ ص: 21 ] أنبأنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13260ابن شاهين ،  قال أنبأنا 
عبد الله بن سليمان ،  قال حدثنا 
هارون بن زيد ابن الزرقاء ،  قال حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16240ضمرة بن ربيعة  عن 
قادم بن مسور ،  قال : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز  رضي الله عنه : 
لما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم  أول من سجد له إسرافيل  فأثابه الله عز وجل أن كتب القرآن في جبهته . 
قوله تعالى : 
اسكن أنت وزوجك الجنة زوجه حواء خلقت من ضلعه وهو في الجنة ، والرغد : الرزق الواسع . 
وفي الشجرة المنهي عنها خمسة أقوال : الأول : الحنطة ، والثاني : الكرم ، روي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،  والثالث : التين قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء  وقتادة ،  والرابع : شجرة الكافور ، روي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=8علي  رضي الله عنه ، والخامس : النخلة ، قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=12139أبو مالك .  
قوله تعالى : 
فأزلهما الشيطان عنها أي حملهما على الزلل ، وقرأ 
 nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش   " فأزالهما " أي عن الجنة ، قال 
السدي :  دخل الشيطان في فم الحية فكلمهما ، وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن :  ناداهما من باب الجنة . 
فإن قيل : إن كان آدم  تعمد فمعصيته كبيرة ، والكبائر لا تجوز على الأنبياء ، وإن كان نسي فالنسيان معفو عنه . 
فالجواب : أن العلماء اختلفوا ، فقال بعضهم : فعل ذلك عن نسيان ، والأنبياء مطالبون بحقيقة التيقظ وتجويد التحفظ أكثر من غيرهم ، والنسيان ينشأ من الذهول عن مراعاة الأمر ، فكانت المؤاخذة على سبب النسيان . 
وقال بعضهم : تعمد الأكل لكنه أكل متأولا ، وفي تأويله قولان : 
أحدهما : أنه تأول الكراهة دون التحريم . 
والثاني : أنه نهي عن شجرة فأكل من جنسها ظنا أن المراد عين تلك الشجرة . 
قوله تعالى : 
قلنا اهبطوا منها جميعا قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :  أهبط 
آدم  وحواء  وإبليس والحية ، أما 
آدم  فأهبط على جبل 
بالهند  يقال له " 
واسم   " وحواء 
بجدة ،  والحية 
بنصيبين ،  وإبليس 
بالأبلة ،  وكان مكث 
آدم  في الجنة نصف يوم من أيام الآخرة ، وهو خمسمائة سنة ، وأنزل معه الحجر الأسود وعصا 
موسى ،  وكانت من آس الجنة ، فأمره الله تعالى أن يذبح كبشا من الضأن مما أنزل الله تعالى إليه ، فذبحه ثم جز صوفه ، فعزلته 
حواء ،  فنسج لنفسه  
[ ص: 22 ] جبة 
ولحواء  درعا وخمارا ، وعلم الزراعة فزرع فنبت في الحال ، فحصد وأكل ، ولم يزل في البكاء . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه :  سجد 
آدم  على جبل 
بالهند  مائة عام يبكي حتى جرت دموعه في وادي سرنديب فأنبت الله تعالى في ذلك الوادي من دموعه الدارصيني والقرنفل ، وجعل طير ذلك الوادي الطواويس ، ثم جاءه 
جبريل  عليه السلام فقال : ارفع رأسك فقد غفر لك ، فرفع رأسه ، ثم أتى الكعبة فطاف أسبوعا ، فما أتمه حتى خاض في دموعه . 
وأما الكلمات التي تلقاها 
آدم  فهي قوله تعالى : 
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين  . 
قال العلماء : التقى 
آدم  وحواء  بعرفات  فتعارفا ثم رجعا إلى 
الهند  فاتخذا مغارة يأويان فيها ، وولدت 
حواء  لآدم أربعين ولدا في عشرين بطنا ، وبعرفات مسح الله ظهر 
آدم  فأخرج جميع ذريته فنشرهم بين يديه ، فرأى فيهم رجلا فأعجبه فقال : من هذا ؟ قال : 
داود ،  قال : كم عمره ؟ قال : ستون سنة ، قال : فزده من عمري أربعين ، فلما انقضى عمر 
آدم  جاءه ملك الموت فقال : أو لم يبقى من عمري أربعون سنة ؟ قال : أو لم تعطها ابنك 
داود ؟  قال : ما فعلت ، فأتم الله عز وجل لآدم ألف سنة وأكمل 
لداود  مائة . 
وهذا الجحد إنما ينسب إلى النسيان . 
ومرض 
آدم  عشرين يوما وجاءته الملائكة بالأكفان والحنوط فقبض يوم الجمعة ، وصلي عليه ، وفي حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب  عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة لما صلت على آدم  كبرت عليه أربعا . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :  مات 
آدم  على 
نود ،  وهو الجبل الذي أهبط عليه ، فصلى عليه 
شيث  وكبر ثلاثين تكبيرة . 
ولما ركب 
نوح  السفينة حمل 
آدم  ودفنه 
ببيت المقدس ،  ولم يمت حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفا . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة :  لما مات 
آدم  وضع عند باب الكعبة وصلى عليه 
جبريل ،  ودفنته الملائكة في 
مسجد الخيف ،  والله أعلم .  
[ ص: 23 ] 
فصل : وقد حذرت قصة 
آدم  من الذنوب وخوفت عواقبها ، وكان بعض السلف يقول : غرقت السفينة ونحن نيام ! 
آدم  لم يسامح بلقمة ولا 
داود  بنظرة ، ونحن على ما نحن فيه !