صفحة جزء
والمقصود : أنه سبحانه أعطى الوجودين : العيني والعلمي ، فكما أنه لا موجود إلا بإيجاده ، فلا هداية إلا بتعليمه ، وذلك كله من الأدلة على كمال قدرته ، وثبوت وحدانيته ، وتحقيق ربوبيته ، سبحانه وتعالى .

وقوله : فمن شاء منهم إلى الجنة فضلا منه ، ومن شاء منهم إلى النار عدلا منه ، إلخ - مما يجب أن يعلم : أن الله تعالى لا يمنع الثواب إلا إذا منع سببه ، وهو العمل الصالح ، فإنه : من يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما [ طه : 112 ] . وكذلك لا يعاقب أحدا إلا بعد حصول سبب العقاب ، فإن الله تعالى يقول : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير [ الشورى : 30 ] .

[ ص: 632 ] وهو سبحانه المعطي المانع ، لا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع . لكن إذا من على الإنسان بالإيمان والعمل الصالح ، فلا يمنعه موجب ذلك أصلا ، بل يعطيه من الثواب والقرب ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . وحيث منعه ذلك فلانتفاء سببه ، وهو العمل الصالح .

ولا ريب أنه يهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، لكن ذلك كله حكمة منه وعدل ، فمنعه للأسباب التي هي الأعمال الصالحة من حكمته وعدله . وأما المسببات بعد وجود أسبابها ، فلا يمنعها بحال ، إذا لم تكن أسبابا غير صالحة ، إما لفساد في العمل ، وإما لسبب يعارض موجبه ومقتضاه ، فيكون ذلك لعدم المقتضي ، أو لوجود المانع . وإذا كان منعه وعقوبته من عدم الإيمان والعمل الصالح ، وهو لم يعط ذلك ابتداء حكمة منه وعدلا . فله الحمد في الحالين ، وهو المحمود على كل حال ، كل عطاء منه فضل ، وكل عقوبة منه عدل ، فإن الله تعالى حكيم يضع الأشياء في مواضعها التي تصلح لها ، كما قال تعالى : وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته [ الأنعام : 124 ] . وكما قال تعالى : وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين [ ص: 633 ] [ الأنعام : 53 ] . ونحو ذلك . وسيأتي لهذا زيادة بيان ، إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية