صفحة جزء
1779 - عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص القرشي الجمحي، يكنى أبا السائب. وأمه سخيلة بنت العنبس بن أهبان بن حذافة بن جمح، وهي أم السائب وعبد الله. وقال ابن إسحاق: أسلم عثمان بن مظعون بعد ثلاثة عشر رجلا، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا. وقال ابن إسحاق، وسالم أبو النضر: كان عثمان بن مظعون أول رجل مات بالمدينة من المهاجرين بعد ما رجع من بدر، وقال غيرهما: كان أول من تبعه إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم.

وروي من وجوه من حديث عائشة وغيرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون بعد ما مات.

توفي سنة اثنتين من الهجرة، وقيل بعد اثنين وعشرين شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة. وقيل: إنه مات على رأس ثلاثين شهرا من الهجرة بعد شهوده بدرا، فلما غسل وكفن قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه، فلما دفن قال: نعم السلف هو لنا عثمان بن مظعون. ولما توفي إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحق بالسلف الصالح، عثمان بن مظعون [ ص: 1054 ] .

وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال ذلك حين توفيت زينب ابنته رضي الله عنها قال: الحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون. وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبره بحجر، وكان يزوره. قال سعد بن أبي وقاص: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم التبتل على عثمان بن مظعون ولو أذن له لاختصينا. وكان عابدا مجتهدا من فضلاء الصحابة، وقد كان هو وعلي بن أبي طالب وأبو ذر رضي الله عنهم هموا أن يختصوا ويتبتلوا، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. ونزلت فيهم :

ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ... 5: 93 الآية.

وذكر الواقدي، عن أبي سبرة، عن عاصم بن عبد الله ، عن عبيد الله بن أبي رافع، قال: كان أول من دفن ببقيع الغرقد عثمان بن مظعون، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرا عند رأسه وقال: هذا قبر فرطنا. وقد قيل: إن عثمان بن مظعون توفي بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، وهذا إنما يكون بعد مقدمه من غزوة بدر، لأنه لم يختلف في أنه شهدها، وكان ممن حرم الخمر في الجاهلية.

وذكر ابن المبارك، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين، عن عبد الرحمن بن سليط .

قال: كان عثمان بن مظعون أحد من حرم الخمر في الجاهلية، وقال: لا أشرب شرابا يذهب عقلي ويضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي. فلما حرمت الخمر أتى وهو بالعوالي فقيل له: يا عثمان. قد حرمت [ ص: 1055 ] الخمر. فقال: تبا لها! قد كان بصري فيها ثاقبا. قال أبو عمر: في هذا نظر، لأن تحريم الخمر عند أكثرهم بعد أحد.

قال مصعب الزبيري: أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون أبو السائب.

روت عائشة بنت قدامة بن مظعون، عن أبيها، عن أخيه عثمان بن مظعون - أنه قال: يا رسول الله، إنه لتشق علينا العزبة في المغازي، أفتأذن لي يا رسول الله في الخصاء فأختصي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، ولكن عليك يا بن مظعون بالصيام فإنه مجفرة .

وأخبرنا أحمد بن محمد، حدثنا أحمد بن الفضل، حدثنا محمد بن جرير، حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، أن أبا النضر حدثه عن زياد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عثمان بن مظعون حين مات، فانكب عليه، فرفع رأسه، فكأنهم رأوا أثر البكاء في عينه، ثم حنى عليه الثانية، ثم رفع رأسه فرأوه يبكي، ثم حنى عليه الثالثة، ثم رفع رأسه وله شهيق، فعرفوا أنه يبكي، فبكى القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مه، إنما هذا من الشيطان، ثم قال: استغفروا الله، أذهب عليك أبا السائب، فقد حرجت منها ولم تلبس منها بشيء. وذكر محمد بن إسحاق السراج، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن يحيى البزار، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن يزيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: لما مات عثمان بن [ ص: 1056 ] مظعون قالت امرأته: هنيئا لك الجنة عثمان بن مظعون، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر غضب، وقال: ما يدريك؟ قالت: يا رسول الله، حارسك وصاحبك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رسول الله، وما أدري ما يفعل بي. فأشفق الناس على عثمان، فلما ماتت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحقي بسلفنا الخير، عثمان بن مظعون، فبكى النساء، فجعل عمر رضي الله عنه يسكتهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلا يا عمر! ثم قال: إياكن ونعيق الشيطان، فما كان من العين فمن الله تعالى ومن الرحمة، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان.

اختلفت الروايات في المرأة قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك حين شهدت لعثمان بن مظعون بالجنة، وقالت له: طبت هنيئا لك الجنة أبا السائب - على ثلاث نسوة، فقيل: كانت امرأته أم السائب، وقيل أم العلاء، الأنصارية، وكان نزل عليها، وقيل: كانت أم خارجة بن زيد. ورثته امرأته، فقالت:


يا عين جودي بدمع غير ممنون على رزية عثمان بن مظعون     على امرئ كان في رضوان خالقه
طوبى له من فقيد الشخص مدفون     طاب البقيع له سكنى وغرقده
وأشرقت أرضه من بعد تفتين     وأورث القلب حزنا لا انقطاع له
حتى الممات وما ترقى له شوني



التالي السابق


الخدمات العلمية