صفحة جزء
[ ص: 669 ] فاعلموا رحمكم الله أن الآيات الدالة على ذم البدعة وكثيرا من الأحاديث أشعرت بوصف لأهل البدعة ، وهو الفرقة الحاصلة ، حتى يكونوا بسببها شيعا متفرقة ، لا ينتظم شملهم بالإسلام ، وإن كانوا من أهله ، وحكم لهم بحكمه .

ألا ترى أن قوله تعالى : إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء وقوله تعالى : ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا الآية ، وقوله : وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وصف التفرق ؟

وفي الحديث :

وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة والتفرق ناشئ عن الاختلاف في المذاهب والآراء ؛ إن جعلنا التفرق معناه بالأبدان ـ وهو الحقيقة ـ وإن جعلنا معنى التفرق في المذاهب ، فهو [ ص: 670 ] الاختلاف كقوله : ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا . للاختلاف سببان : كسبي ، وغير كسبي

فلا بد من النظر في هذا الاختلاف ما سببه ؟ وله سببان :

( أحدهما ) : لا كسب للعبادة فيه ، وهو الراجع إلى سابق القدر ، والآخر هو الكسبي وهو المقصود بالكلام عليه في هذا الباب ، إلا أن نجعل السبب الأول مقدمة ، فإن فيها معنى أصيلا يجب التثبت له على من أراد التفقه في البدع . فنقول والله الموفق للصواب : قال الله تعالى : ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم فأخبر سبحانه أنهم لا يزالون مختلفين أبدا ، مع أنه لو أراد أن يجعلهم متفقين لكان على ذلك قديرا لكن سبق العلم القديم أنه إنما خلقهم للاختلاف ، وهو قول جماعة من المفسرين في الآية ، وأن قوله : ولذلك خلقهم معناه : وللاختلاف خلقهم . وهو مروي عن مالك بن أنس قال : خلقهم ليكونوا فريقا في الجنة وفريقا في السعير . ونحوه عن الحسن فالضمير في خلقهم عائد على الناس ، فلا يمكن أن يقع منهم إلا ما سبق في العلم ، وليس المراد هاهنا الاختلاف في الصور كالحسن والقبيح [ ص: 671 ] والطويل والقصير ، ولا في الألوان كالأحمر والأسود ، ولا في أصل الخلقة كالتام الخلق والناقص الخلق والأعمى والبصير ، والأصم والسميع ، ولا في الخلق كالشجاع والجبان ، والجواد والبخيل ، ولا فيما أشبه ذلك من الأوصاف التي هم مختلفون فيها .

وإنما المراد اختلاف آخر وهو الاختلاف الذي بعث الله النبيين ليحكموا فيه بين المختلفين ، كما قال تعالى : كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه الآية ، وذلك الاختلاف في الآراء والنحل والأديان والمعتقدات المتعلقة بما يسعد الإنسان به أو يشقى في الآخرة والدنيا .

التالي السابق


الخدمات العلمية