صفحة جزء
( حدثنا سفيان أبو وكيع حدثنا جميع ) بالتصغير ( ابن عمر ) وفي نسخة ابن عمرو بالواو ، وفي هامش أصل السيد صوابه عمير بالتصغير انتهى . وهو كذا في أصل الشرح ثم قال شارحه : وفي بعض النسخ عمر بدل عمير والله أعلم ( ابن عبد الرحمن العجلي ) بكسر ، فسكون ، قال : حدثني رجل من بني تميم من ولد أبي هالة ) بفتح الواو ، واللام ، ويجوز ضم أوله ، وسكون ثانيه ، وقد تقدم هذا السند في صدر الكتاب ( زوج خديجة ) أي : أولا وهو بالجر على أنه بدل من أبي هالة ( يكنى ) أي : ذلك الرجل ( أبا عبد الله عن ابن لأبي هالة عن الحسن بن علي ) أي ابن أبي طالب ( قال : سألت خالي ) أي أخا أمي من الأم ( هند بن أبي هالة ، وكان ، وصافا ) أي كثير الوصف للنبي - صلى الله عليه وسلم - كما سبقت الرواية في أول الكتاب ، والجملة معترضة ، وقوله : ( قلت ) بيان لسألت ( صف لي منطق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أي كيفية نطقه ، وهيئة سكوته المقابل له كما يدل عليه الجواب ، فهو من باب الاكتفاء ( قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه متواصل الأحزان ) أي كان الغالب عليه السكوت لكونه متواصل الأحزان [ ص: 12 ] ( دائم الفكر ) ولا شك أن تواصل أحزانه إنما كان لمزيد تفكره ، واستغراقه في شهود جلال الله تعالى ، وكبريائه ، وعظمته ، وذلك يستدعي دوام الصمت ، وعدم الراحة إذ من لازم اشتغال القلب انتفاؤها فقوله ( ليست له راحة ) من لوازم ما قبله صرح به للاهتمام به ، وتنبيها لما قد يغفل عنه كما قاله ابن حجر ، وقيل معناه أنه لا يستريح من الاشتغال بالخيرات قال ميرك : والظاهر أن المراد ليست له راحة في الأمور الدينية أي لا يستريح بلذات الدنيا كأهلها قلت : ويؤيده حديث أرحنا يا بلال .

وخبر : قرة عيني في الصلاة .

هذا وقد ورد أن الله يحب كل قلب حزين رواه الطبراني والحاكم عن أبي الدرداء ، وفي بعض الأخبار تفكر ساعة خير من عبادة سنة ، وفي رواية من عبادة ستين سنة ( طويل السكت ) خبر آخر لكان ، وهو تصريح بما علم ضمنا ، وصح حديث .

من صمت نجا .

رواه أحمد ، والترمذي عن ابن عمر ، وحديث من كان يؤمن بالله ، واليوم الآخر ; فليقل خيرا أو ليسكت .

رواه أحمد ، والشيخان ، والترمذي ، وابن ماجه عن أبي شريح وروي عن الصديق ليتني كنت أخرسا إلا عن ذكر الله ( لا يتكلم في غير حاجة ) أي : من غير ضرورة دينية أو دنيوية ; فيتحرز عن الكلام بلا فائدة حسية أو معنوية لقوله تعالى والذين هم عن اللغو معرضون وقد قال - صلى الله عليه وسلم - إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه .

رواه جماعة من المحدثين ، وكيف يتصور أن يتكلم بما لا يعني ، وفي شأنه نزل وما ينطق عن الهوى ( يفتتح الكلام ) من الافتتاح أي : ويبدؤه ( ويختمه ) بكسر التاء من الختم ، وفي رواية ، ويختتمه من الاختتام أي : ويتمه ( باسم الله ) مرتبط بالفعلين على سبيل التنازع ، والمعنى أن كلامه عليه السلام كان محفوظا بذكر الله ، ومستعانا بالله ، والظاهر أن المراد بذكر الطرفين استيعاب الزمان بذكر الوقتين كما قيل في قوله تعالى وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار وفي قوله - عز وجل - ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا إذا ما أظن أنه صدر من صدره الشريف كلمة ، ولا حرف إلا مقرونا بذكر الله المنيف لأن بعض أتباعه يقول :


ولو خطرت لي في سواك إرادة على خاطري سهوا حكمت بردتي

وقد قال - صلى الله عليه وسلم - ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم ، ولم يذكروا الله فيها لكن ليس الذكر منحصرا في التسبيح ، والتهليل ، ونحو ذلك بل كل مطيع لله في قوله أو فعله ; فهو ذاكر له سبحانه ، وأبعد شارح حيث قال : وفيه دليل على استحباب افتتاح الكلام ، واختتامه بالتسمية ، وأغرب ابن حجر في جزمه ; بأن المراد باسم الله في الأول البسملة غالبا لندبها في كل ذي بال غير ما جعله الشارع فيه الابتداء [ ص: 13 ] بغيره كالأذان ، والصلاة وفي الآخرة الحمدلة أو غيرها كالاستغفار قال : وفهم بعضهم أن المراد باسم الله البسملة حتى في الآخرة ; فقال : لم يشتهر اختتام الأمر باسم الله ، وهو غلط عجيب قلت ، وكذا ما اشتهر أنه - صلى الله عليه وسلم - كلما كان يبتدئ الكلام يقول بسم الله ، ودعوى الغالبية ممنوعة ، وإنما الشارع رغب الغافلين عن ذكر الله في أنه أقل ما يكون إذا ابتدأ بأمر ذي بال لا ينسون ذكر الملك المتعال ليشتمل بركته إياهم في الحال ، والمآل .

وأما هو بنفسه - صلى الله عليه وسلم - فما كان غمضة جفن ولا طرفة عين غافلا عن المولى ; فكلامه كله ذكر ، وسكوته جميعه فكر ، وحاله دائر بين صبر ، وشكر في كل حلو ومر . وفي بعض النسخ المصححة بأشداقه جمع شدق ، وهو : طرف الفم ، والمراد بالجمع : ما فوق الواحد ، وذلك لأن ذلك البيان إنما يحصل برحب الشدقين بخلاف ضده ; فإنه لا ينفهم منه المقصود كما يشاهد في كلام بعض أرباب الرعونة بخلاف ضده ; فإنه لا ينفهم منه المقصود كما يشاهد بعض أرباب الرعونة ، وأصحاب الكبر ، والخديعة حيث يكتفون بأدنى تحريك الشفتين ، وأما التشدق المذموم المنهي على ما ورد في بعض الأحاديث ، فالمراد منه هو أن يفتتح فاه ، ويتسع في الكلام ، ويتكلف في العبارة من غير قصد المرام .

والحاصل أن كلامه كان وسطا عدلا خارجا عن طرفي الإفراط والتفريط ، من فتح كل الفم ، والاقتصار على طرفه القليل القاصر عن تأدية المقصود من الأحكام ; فيكون بيانا لفصاحة كلامه عليه السلام ، وأما القول بأن ذلك إنما كان لرحب شدقيه ، فكلام من لا يفهم الكلام ( ويتكلم بجوامع الكلم ) الجوامع جمع جامعة ، والكلم بفتح الكاف ، وكسر اللام اسم جنس ، ويؤيده قوله تعالى إليه يصعد الكلم الطيب وقيل جمع حيث لا يقع إلا على الثلاث ، فصاعدا ، والكلم الطيب يؤول ببعض الكلم كذا حرره مولانا نور الدين عبد الرحمن الجامي - قدس سره السامي - لكن فيه بحث ظاهر لأن الصعود غير مقيد ببعض الطيب دون بعض .

ثم الإضافة في الحديث من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف ، والمعنى أنه كان يتكلم بألفاظ يسيرة متضمنة لمعان كثيرة فقيل هي القرآن وقرره ابن حجر ، وغيره من الشراح ، ولا يخفى أنه غير ملائم للمقام ، فإنه لا يقال في وصف منطقه أنه كان يتكلم بجوامع الكلم التي هي القرآن ، والأظهر أن المراد بها أعم ; فإن المدح فيها أتم اللهم إلا أن يقال المراد أنه كان يتكلم بالقرآن أي : بمضمون ما فيه من مبانيه ، ومعانيه ، فلا يخرج كلامه عن طبق كلام ربه في كل أمره ، ونهيه ، وجميع شأنه ، فيكون نظير قول عائشة - رضي الله عنها - لما سئلت عن خلقه - صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم - " كان خلقه القرآن " أي : كان خلقه أن يمتثل قولا ، وفعلا حمد فيه ، ويجتنب عن خلق ، وحال ذم فيه للتنبيه .

وأغرب شارح ، وقال في بعض النسخ بأشداقه بدل بجوامع الكلم ، ووجه غرابته أنه مخالف لأقوال أرباب الرواية ، وأصحاب الدراية ، وقد جمع جمع من الأئمة من كلامه - صلى الله عليه وسلم - المفرد الموجز البديع أحاديث كثيرة من حسن الصنيع ، فاستخرت الله تعالى في جمع أربعين من هذا الباب أذكرها في شرح هذا الكتاب ليكون من الشمائل مشتملا أيضا على [ ص: 14 ] الأربعين النووية ، وهو الموفق ، والمعين ملتزما بأن يكون كل حديث يتضمن بديع حكم ، وصنيع حكم ، اقتصارا وتحقيقا لما روى أبو يعلى في مسنده عنه - صلى الله عليه وسلم - أعطيت جوامع الكلم ، واختصر لي الكلام اختصارا .

فعنه - صلى الله عليه وسلم - :

( 1 ) الأيمن ، فالأيمن رواه الشيخان عن أنس ( 2 ) الإيمان يمان . رواه الشيخان عن ابن مسعود ( 3 ) اخبر تقله رواه أبو نعيم عن أبي الدرداء ( 4 ) أرحامكم أرحامكم . ابن حبان عن أنس ( 5 ) اشفعوا تؤجروا . ابن عساكر عن معاوية ( 6 ) أعلنوا النكاح . أحمد عن ابن الزبير ( 7 ) أكرموا الخبز . البيهقي عن عائشة ( 8 ) الزم بيتك . الطبراني عن ابن عمر - رضي الله عنهما - ( 9 ) تهادوا تحابوا . أبو يعلى عن أبي هريرة ( 10 ) الحرب خدعة . الشيخان عن جابر ( 11 ) الحمى شهادة . الديلمي عن أنس ( 12 ) الدين النصيحة . البخاري في تاريخه عن ثوبان ( 13 ) سددوا وقاربوا . الطبراني عن ابن عمر ( 14 ) شراركم عزابكم . عن عدي عن أبي هريرة ( 15 ) الصبر رضا . ابن عساكر ( 16 ) الصوم جنة . النسائي عن معاذ ( 17 ) الطيرة شرك . أحمد عن ابن مسعود ( 18 ) العارية مؤداة . الحاكم عن ابن عباس ( 19 ) العدة دين . الطبراني عن علي ( 20 ) العين حق الشيخان . عن أبي هريرة ( 21 ) الغنم بركة . أبو يعلى عن البراء ( 22 ) الفخذ عورة . ( 23 ) قفلة كغزوة . أحمد عن ابن عمرو ( 24 ) قيد وتوكل . البيهقي عن عمرو بن أمية ( 25 ) الكبر الكبر . الشيخان عن سهل بن أبي حليمة ( 26 ) موالينا منا . الطبراني عن ابن عمر ( 27 ) المؤمن مكفر . الحاكم عن سعد ( 28 ) المحتكر ملعون . الحاكم عن ابن عمر ( 29 ) المستشار مؤتمن . الأربعة عن أبي هريرة ( 30 ) المنتعل راكب . ابن عساكر عن أنس ( 31 ) نصبر ، ولا نعاقب . الأربعة عن أبي ( 32 ) النار جبار . أبو داود عن أبي هريرة ( 33 ) النبي لا يورث . أبو يعلى عن حذيفة ( 34 ) الندم توبة . أحمد عن ابن مسعود ( 35 ) الوتر بليل . أحمد عن أبي سعيد ( 36 ) لا تتمنوا الموت . ابن ماجه عن حبان ( 37 ) لا تغضب . البخاري عن أبي هريرة ( 38 ) لا ضرر ، ولا ضرار . أحمد عن ابن عباس ( 39 ) لا وصية لوارث . الدارقطني عن جابر ( 40 ) يد الله على الجماعة . الترمذي عن ابن عباس ( كلامه فصل ) أي : فاصل بين الحق ، والباطل ، وهو من قبيل رجل عدل للمبالغة أو المصدر بمعنى فاعل أو بتقدير مضاف أي : ذو فضل أو مصدر بمعنى المفعول أي : مفصول من الباطل ، ومصون عنه ، والمعنى أنه ليس في كلامه ما هو باطل أصلا بل ليس فيه إلا الحق ، والصواب أو ليس فيه إلا ذكر الحق المطلق أو مفصول بعضه عن بعض ، والمعنى ليس بعض كلامه متصلا ببعض آخر بحيث يشوش على المستمع أو يشعر بالعجلة المذمومة أو فصل أي : وسط عدل بين الإفراط ، والتفريط ، فيكون قوله ( لا فضول ، ولا تقصير ) كالبيان له ، والتفسير ، والمعنى لا زيادة ،ولا نقصان في كلامه - صلى الله عليه وسلم - ثم في النسخ المصححة ، والأصول المعتمدة بفتح الاسمين بناء على أن [ ص: 15 ] لا لنفي الجنس ، والخبر محذوف أي : لا فضول في كلامه ولا تقصير في تحصيل مرامه وفي بعض النسخ بالرفع فيهما فلا عاطفة فالمعنى أن كلامه فصل ليس بفضول ، ولا تقصير ، ولا الثانية لزيادة التأكيد ، وإلى هنا انتهى ما يعلم به كيفية كلامه الوافي بالمرام وصفة منطقه - عليه الصلاة والسلام - وكان الراوي ذكر بقية الحديث استطرادا متطوعا فيه ، واعتضادا لما خطر في خاطره أن للسائل في معرفة جميع أخلاقه مرادا مع أنه قد يجري الكلام على الكلام ، ولو اعتنى بباقي الحديث لحملعلى معان تناسب الكلام في المرام ، فقوله ( ليس بالجافي ) أي : العديم البر قولا وفعلا مأخوذ من الجفاء خلاف البر والوفاء، بل بره حصل للأجانب ، فضلا عن الأقارب ، ووصل على الأعداء ; فكيف إلى الأحباء ; لأنه نعمة مهداة للمؤمنين ، ورحمة مرسلة للعالمين أو ليس بالفظ الغليظ الخلقة والطبع، كما قال تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك الآية ، ومنه حديث " من بدا جفا " أي : سكن البادية غلظ طبعه لقلة مخالطة الناس ، والجفاء : غلظ الطبع . ذكره في النهاية ، وحاصله أنه ليس يجفوا بأصحابه بل يحسن إلى كل في بابه ( ولا المهين ) بفتح الميم على أنه صفة مشبهة بمعنى الحقير أي ما كان حقيرا ذميما بل كان كبيرا عظيما تغشاه من أنوار الوقار والمهابة ، والجلالة ما ترتعد منه فرائص الكفار ، والفجار ، وتخضع عند رؤيته جفاة الأعراب ، وتذل لعظمته عظماء الملوك على كراسيهم ; فضلا عن الحجاب بالأبواب ، وفي نسخة صحيحة بضمها على أنه اسم فاعل ففي النهاية يروى بفتح الميم زائدة ، والفتح من المهانة ، وهو الحقارة فتكون الميم أصلية انتهى . فعلى الأول أجوف ، وعلى الثاني صحيح ; فتأمل ثم لا يخفى أن المعنى الأخير أنسب بالمقام ; فيكون كما ورد في وصفه عليه الصلاة والسلام أنه كان متواضعا من غير مذلة ، أو المعنى أنه غير جاف للأحباء ، ولا ذليل لدى الأعداء بل متواضع للمؤمنين ، ومتكبر على المتجبرين ; فيطابق قوله تعالى أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ويوافق قوله - عز وجل - أشداء على الكفار رحماء بينهم ( يعظم ) بتشديد الظاء ( النعمة ) أي : يقوم بتعظيمها قولا بحمده ، وفعلا بالقيام بشكره في صرفها لمرضاة ربه ( وإن دقت ) أي : وإن صغرت ، وقلت النعمة سواء كانت نعمة ظاهرية أو باطنية دنيوية أو أخروية .

فإن القليل من الخليل جليل .

وما يشكر الكثير من لم يشكر القليل ( لا يذم منها ) أي : من النعمة ( شيئا ) . [ ص: 16 ] والظرف بيان له مقدم عليه ، والجملة استئناف بيان أي : ومن جملة تعظيمها أنه كان لا يذم منه شيئا بل كان يمدحها ، ويشكرها لما عنده من كمال شهود عظمة المنعم المستلزم لعظمة النعمة بسائر أنواعها ، وحاصله أنه كان يجمع بين نفي المذمة ، ومدح جميع أنواع أفراد النعمة ( غير أنه لم يكن يذم ذواقا ) بفتح أوله ، وتخفيف واوه أي : مأكولا ، ومشروبا ( ولا يمدحه ) أما نفي مدحه ; فلكون المدح يشعر بالحرص ، والشهرة ، وبهذا اتضح أن قول ابن حجر في قوله غير أنه تأكيد للمدح على حد بيد أني من قريش ليس في محل للحل فتأمل .

وأغرب منه كلاما الحنفي حيث قال : هذا دفع وهم نشأ من قوله لا يذم منها شيئا ، وهو أنه يمدحها ، ودفعه أنه لا يمدحها ، ولا يذمها هذا .

قال ميرك : الذواق فعال بمعنى المفعول من الذوق ، ويقع على الاسم ، والمصدر ، وفي الفائق الذواق اسم ما يذاق أي : لا يصف الطعام بطبيعة ، ولا ببشاعة ، وحاصل الكلام أنه كان يمدح جميع نعم الله ، ولا يشتغل بمذمتها إلا أنه لا يشتغل بمدح المأكول ، والمشروب لأنه مبني على الميل إليه ، ولا يذمه لأنه من أعظم نعم الله عليه ( ولا تغضبه ) بضم أوله أي : لا توقعه في الغضب ( الدنيا ) أي : جاهها ، ومالها لعدم الاعتداد بحالها ، وما لها ، وكيف لا ، وقد قال تعالى ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى ( ولا ما كان لها ) أي : ولا يغضبه أيضا ما كان لها تعلق ما بالدنيا لدناءتها ، وسرعة فنائها ، وكثرة عنائها ، وخسة شركائها ، وزيادة لا لمزيد تأكيد النفي ، وهي موجودة في جميع الأصول ، وكأنها سقطت من نسخة ابن حجر فقال : وكيف تغضبه ، وهو ما كان خلق لها أي : للتمتع بلذاتها بل لهداية الضالين انتهى . وهو صحيح بحسب الدراية لكن يخالفه الرواية ( فإذا تعدي الحق ) بصيغة المجهول أي : إذا تجاوز أحد عن الحق ( لم يقم لغضبه شيء ) أي : لم يدفع غضبه ، ولم يقاومه شيء من الأشياء المانعة في العرف ، والعادة ( حتى ينتصر له ) بصيغة المعلوم أي : حتى ينتقم للحق بالحق ( لا يغضب لنفسه ) أي : ولو تعدي في حقها بالقول أو الفعل من أجلاف العرب أو من بعض المنافقين ( ولا ينتصر لها ) بل يقابله بالحلم ، والكرم لقوله تعالى خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ( إذا أشار ) أي : إلى إنسان أو غيره ( أشار ) أي : إليه ( بكفه كلها ) أي : جميعها ، ولا يقتصر على الإشارة إليه ببعضها لأنه من [ ص: 17 ] أفعال المتكبرين ، وأخلاق المتجبرين ( وإذا تعجب ) أي : في أمر ( قلبها ) أي : قلب الكف من الهيئة التي كان وضع اليد عليها حال التعجب بأن يكون ظهر اليد فوقا ; فيقلبها بأن يجعل بطنها أعلى إشارة إلى تقلب ذلك الأمر المتعجب منه أو اكتفاء بالفعل عن القول في إظهار التعجب ( وإذا تحدث ) أي : تكلم ( اتصل ) أي : حديثه ( بها ) أي : بكفه بمعنى أن حديثه يقارن تحريكها ثم بين ذلك التحريك المقارن للحديث بقوله ( وضرب براحته ) أي : بكفه ( اليمنى بطن إبهامه اليسرى ) وكان هذا عادتهم ، وقيل الباء للتعدية ، وتنازع اتصل ، وضرب في بطن إبهامه وأعمل الثاني ، وقدر للأول أي : أوصل الكف إلى بطن إبهامه اليسرى ، وقيل أقوال أخر متعارضة ، ومتناقصة ليس تحتها فائدة أعرضنا عن ذكرها ( وإذا غضب ) أي : من أحد ، وفي نسخة أغضب بصيغة المجهول من باب الأفعال ( أعرض ) أي : عما يقتضيه الغضب ، وعدل عنه إلى الحلم ، والكرم ، وعفى عنه ( وأشاح ) أي : جد في الإعراض ، وبالغ فيه على ما في الفائق ، وقيل أي : بوجه فيكون من باب قوله تعالى فاعف عنهم واصفح وفي نسخة صحيحة ( وإذا فرح ) أي : فرحا كثيرا ( غض طرفه ) بسكون الراء أي : أطرق ولم يفتح عينه تواضعا ، وتمكينا ، وفي رواية ، وكان إذا رضي ، وسر بصيغة المجهول أي : صار مسرورا ، وفرحا ; فكأن وجهه وجه المرآة ( وكأن الجدر تلاحك وجهه ) قال صاحب الكشاف : في كتاب الفائق الملاحكة ، والملاحمة أختان يقال لوحك فقار الناقة ; فهو ملاحك أي : لوحم بينه ، وأدخل بعضه في بعض وكذا البناء ونحوه ، والمعنى أن جدر البيت ترى في وجهه كما ترى في المرآة لوضاءته انتهى .

وأخرج أبو الشيخ في أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق الزهري عن [ ص: 18 ] سالم عن ابن عمر قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرف رضاه ، وغضبه بوجهه كان إذا رضي فكأنما تلاحك الجدر وجهه ، وإذا غضب خسف لونه .

قال : وقال أبو بكر بن عاصم يعني شيخه أبا الحكم الليثي يقول هي المرآة توضع في الشمس ; فيرى ضوءها على الجدر يعني تلاحك الجدر ( جل ضحكه ) بضم الجيم ، وتشديد اللام أي : معظمه ( التبسم ) فلا ينافي ما رواه البخاري في الأدب ، وابن ماجه في سننه .

لا تكثر الضحك ; فإن كثرة الضحك تميت القلب .

وزيد في نسخة صحيحة ( يفثر ) بسكون الفاء ، وتشديد الراء أي : يضحك ضحكا حسنا بحيث ينكشف ضحكه ، ويصدر حتى بدت أسنانه ( عن مثل حب الغمام ) أي : السحاب ، وهو البرد بفتحتين شبه به أسنانه البيض ، وقيل حب الغمام ، وهو أنسب في باب التشبيه لما في الأول من البرودة ، ولما في الثاني من زيادة تشبيه الفم بالصدف ، والريق بماء الرحمة في بحر النعمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية