صفحة جزء
( حدثنا أحمد بن منيع حدثنا مروان بن معاوية عن عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي [ ص: 54 ] عن عمرو بن الشريد عن أبيه ) وكذا رواه أبو داود ، وابن ماجه عن الشريد بن سويد ( قال : كنت ردف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) بكسر فسكون أي : رديفه وزاد في مسلم يوما ( فقال : هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء ؟ فقلت نعم فقال : هيه ، فأنشدته بيتا ، فقال : هيه ، ثم أنشدته بيتا ، فقال : هيه حتى أنشدته مائة بيت ) .

ففيه دلالة صريحة على أن قوله ( فأنشدته مائة قافية ) إنما كان بعد تناشده ، وأن المراد بالقافية البيت ، وأطلق الجزء وأراد الكل مجازا ( من قول أمية ) بالتصغير ( ابن أبي الصلت ) قال ميرك : هو ثقفي من شعراء الجاهلية أدرك مبادئ الإسلام ، وبلغه خبر مبعث سيد الأنام لكنه لم يوفق بالإيمان ، وكان غواصا في المعاني ، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - في شأنه : " آمن لسانه وكفر قلبه " .

وذلك لإقراره بالوحدانية والبعث ، وكان يتعبد في الجاهلية ، ويؤمن بالبعث ، وينشد في ذلك الشعر الحسن ، وأدرك الإسلام ، ولم يسلم ، وقد قال عبد الله بن عمرو بن العاص أن قوله تعالى واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها الآية ، نزلت في أمية بن أبي الصلت الثقفي ، وكان قرأ التوراة ، والإنجيل في الجاهلية ، وكان يعلم بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل مبعثه ، فطمع أن يكون هو ; فلما بعث النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ، وصرفت النبوة عن أمية حسده وكفر ، وهو أول من كتب باسمك اللهم ، ومنه تعلمته قريش ، فكانت تكتب به في الجاهلية ( كلما أنشدته بيتا ) أي : كلما قرأت له بيتا ، فهو من باب الحذف والإيصال ، لما في القاموس أنشد الشعر : قرأه ( قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - ) وهو كذا في الأدب المفرد للبخاري ( هيه ) بكسر الهاء وإسكان الياء ، وكسر الهاء الثانية قالوا : والهاء الأولى مبدلة من الهمزة وأصلها إيه وهي للاستزادة من الحديث المعهود ، والمقصود أنه - صلى الله عليه وسلم - استحسن شعر أمية ، واستزاد من إنشاده لما فيه من الإقرار بوحدانية الله تعالى والبعث .

قال ميرك وغيره من الشراح : " إيه " اسم يسمى به الفعل ; لأن معناه الأمر ، تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل إيه بغير تنوين ، فإن وصلت نونت فقلت : إيه حديثا .

وقوله : وقفنا فقلنا إيه عن أم سالم .

فلم ينون وقد وصل ; لأنه قد يرى الوقف قال بعضهم : إذا قلت إيه يا رجل تأمره بأن يزيدك من الحديث المعهود بينكما كأنك قلت هات الحديث ، وإن قلت إيه ; فكأنك قلت حديثا ما ; لأن التنوين تنوين تنكير ، وفي البيت أراد التنكير فتركه للضرورة ، فإذا أسكته ، وكففته قلت إيها بالنصب عنا وإذا أردت التبديل قلت إيها بمعنى هيهات ( حتى أنشدته مائة يعني بيتا ) بالنصب على أنه مفعول يعني ، وفي نسخة بيت بالجر على أنه حكاية تمييز مائة ، قال الحنفي : روي بالنصب والجر ووجه النصب ظاهر ، ووجه الجر على أنه حذف المضاف ، وأبقى المضاف إليه على حاله كان أصله مائة بيت انتهى . وفي نسخة : مائة بيت ، وهو واضح ( فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إن [ ص: 55 ] كاد ) أي : قارب ( ليسلم ) وفي رواية لقد كاد أن يسلم شعره ، ومر سبب ذلك .

قيل وإنما قال ذلك لما سمع قوله : لك الحمد والنعماء والفضل ربنا فلا شيء أعلى منك حمدا ولا مجدا

قال الحنفي : أي أنه كاد وكلمة أن مخففة من الثقيلة قال ابن حجر : أن مخففة اسمها إن أعملت ضمير الشأن .

فزعم أن من قال : التقدير أنه كاد لا يعرف شيئا من النحو ، ليس في محله إذ مراده إذا أعملت كما ذكر ، ومجرد حذف هذا القيد لا يجيز أن يقال في حق من حذفه أنه لا يعرف شيئا من النحو .

التالي السابق


الخدمات العلمية