( حدثنا
إسماعيل بن موسى الفزار ) بفتح الفاء فالزاي (
nindex.php?page=showalam&ids=16609وعلي بن حجر والمعنى ) أي : المؤدى ( واحد قالا ) أي : كلاهما ( حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12458عبد الرحمن بن أبي الزناد ) بكسر الزاي فنون ، وفي نسخة بتحتية ، واسمه
nindex.php?page=showalam&ids=11863عبد الله بن ذكوان على ما في التقريب ( عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن
عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضع
nindex.php?page=showalam&ids=144لحسان بن ثابت ) ضبط
حسان منصرفا وغير منصرف بناء على أنه فعال أو فعلان ، والثاني هو الأظهر فتدبر ، وهو
ثابت بن المنذر بن عمرو بن حرام الأنصاري عاش مائة وعشرين سنة نصفها في الإسلام ، وكذا عاش أبوه وجد أبيه المذكورون ، وتوفي سنة أربع وخمسين قال صاحب المشكاة في أسماء رجاله : يكنى
أبا الوليد الأنصاري الخزرجي ، وهو من فحول الشعراء قال
أبو عبيدة : اجتمعت العرب على أن
nindex.php?page=treesubj&link=31600أشعر أهل المدر nindex.php?page=showalam&ids=144حسان بن ثابت روى عنه
عمر nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة وعائشة ، ومات قبل الأربعين في خلافة
علي رضي الله عنهم أجمعين ، وقيل سنة خمسين والله أعلم .
( منبرا ) بكسر الميم آلة النبر ، وهو الرفع ( في المسجد ) أي : مسجد
المدينة ( يقوم عليه قائما ) أي : قياما وقال
ميرك : نقلا عن المفصل قد يرد المصدر على وزن اسم الفاعل نحو قمت قائما انتهى . وفي نسخة يقول عليه قائما أي : يقول
حسان الشعر ، وينشده على المنبر حال كونه قائما ( يفاخر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو قال ) على ما في الأصل الأصيل أي :
عروة رواية عن
عائشة ، وفي نسخة وهي الظاهر أو قالت أي :
عائشة ( ينافح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أي : يخاصم عن قبله ، ويدافع عن جهته فقيل المنافحة المخاصمة ، فالمراد أنه كان يهاجي المشركين ، ويذمهم عنه وقال صاحب النهاية : ينافح أي : يدافع والمنافحة والمكافحة : المدافعة والمضاربة ، نفحت الرجل بالسيف تناولته به يريد بمنافحته مدافعة هجاء المشركين ومجاوبتهم عن أشعارهم ( ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) فيه دلالة على تعدد هذا القول منه له ( أن الله يؤيد
حسان ) وفي نسخة
حسانا (
بروح القدس ) بضم الدال ، وسكونه أي :
بجبريل وسمي به ; لأنه يأتي الأنبياء
[ ص: 56 ] بما فيه الحياة الأبدية ، والمعرفة السرمدية ، وإضافته إلى القدس وهو الطهارة ; لأنه خلق منها ، وقد جاء في حديث مصرحا ، وهو أن
جبريل مع
حسان ( ما ينافح أو يفاخر ) للشك ، ويحتمل التنويع وفي رواية : ما نافح ( عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) فما للدوام والمدة ، والمعنى أن
nindex.php?page=treesubj&link=24659الأشعار التي فيها دفع ما يقوله المشركون في شأن الله ، ورسوله ليس مما لا يجوز ، ولا يكون مما يلهمه الملك ، وليس من الشعر الذي قاله الشعراء من تلقاء أنفسهم وإلقاء الشيطان إليهم بمعان فاسدة ، فالجملة إخبارية ، وظاهر كلام
الطيبي أنها جملة دعائية ، ويساعده ما الدوامية حيث قال : وذلك لأن عند أخذه في الهجو والطعن في المشركين ، وأنسابهم مظنة الفحش من الكلام ، وبذاءة اللسان ، ويؤدي ذلك إلى أن يتكلم بما يكون عليه لا له ، فيحتاج إلى التأييد من الله تعالى ، وتقديسه من ذلك
بروح القدس ، وهو
جبريل عليه السلام انتهى .
ويؤيد الأول قول
التوربشتي من أن المعنى أن شعرك هذا الذي تنافح عن الله ورسوله يلهمك الملك سبيله ، بخلاف ما يتقوله الشعراء إذا اتبعوا الهوى وهاموا في كل واد ; فإن مادة قولهم من إلقاء الشيطان إليهم انتهى .
وقيل لما دعا له - صلى الله عليه وسلم - أعانه
جبريل بسبعين بيتا هذا .
وقد قال
الحنفي : ادعاء العظمة ، والكبرياء ، والشرف أي : يفاخر لأجله - صلى الله عليه وسلم - وجهته انتهى . وظاهره المتبادر من معناه أن
حسانا يظهر العظمة والكبرياء والشرف له - صلى الله عليه وسلم - وكأن شارحا عكس هذه القضية ، ونسب الكبر ، والعظمة إلى
حسان لأجل أنه شاعره - صلى الله عليه وسلم - ولا محذور فيه ; فإنه أبلغ بلاغة وتبليغا ; فإنه إذا كان التابع معظما لأجل المتبوع كان المتبوع في غاية من العظمة بالبرهان الجلي ، والتبيان العلي كما حقق في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وكما أشار إليه صاحب البردة على طريق العكس في الدليل إيماء إلى حقيقة التعليل . لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم .
وغايته أن يكون عن بمعنى من ، وقد تقرر تناوب الحروف في العلوم العربية إما على سبيل البدلية ، وإما على قصد المعاني التضمنية .
وأما ما يتوهم من أن نسبة الكبر مذمومة ; فليست على إطلاقها ; فإن التكبر على الكافرين قربة ، وعلى سائر المتكبرين صدقة كما يشير إليه قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين فاندفع بهذا ما قاله
ابن حجر من أن الظاهر من هذه العبارة عند من له ذوق سليم أنه يذكر مفاخر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومثالب أعدائه ، ورد مقولهم في حقه .
وأما ما قيل معناه أنه ينسب نفسه إلى الشرف ، والكبر والعظم بكونه من أمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الممتاز بالفضل على الخلائق من كل وجه ، فهو بعيد متكلف وليته لم يذكر الكبر ; فإن ذكره في هذا المقام فيه ما فيه انتهى .
وتقدم الكلام على ما فيه على وجه يوافيه ولا ينافيه ، ثم لا تنافي بين جمعه بين المفاخرتين .
نعم الغالب عليه إظهار فخره وتعظيم قدره ، وتفخيم أمره - صلى الله عليه وسلم - .
وقد ورد أنه
لما جاءه - صلى الله عليه وسلم - بنو تميم ، وشاعرهم الأقرع بن حابس ; فنادوه يا محمد اخرج إلينا نفاخرك أو نشاعرك ; فإن مدحنا زين [ ص: 57 ] وذمنا شين ; فلم يزد - صلى الله عليه وسلم - على أن قال : ذلك الله إذا مدح زان وإذا ذم شان ، إني لم أبعث بالشعر ، ولا بالفخر ، ولكن هاتوا فأمر - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=215ثابت بن قيس أن يجيب خطيبهم ، فخطب فغلبهم ، فقام الأقرع بن حابس ، فقال :
أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا إذا خالفونا عند ذكر المكارم
وأنا رءوس الناس في كل مشعر
وأن ليس في أرض الحجاز كدارم
فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حسانا يجيبهم فقام فقال :
بني دارم لا تفخروا إن فخركم يعود وبالا عند ذكر المكارم
هبلتم علينا تفخرون وأنتم لنا خول ما بين قن وخادم
فكان أول من أسلم شاعرهم ،
وثابت المذكور خطيبه - صلى الله عليه وسلم - وخطيب
الأنصار ، وهو خزرجي شهد له - صلى الله عليه وسلم - بالجنة ، واستشهد
باليمامة سنة اثنتي عشرة هذا ، وقد روى
أبو داود عن
بريدة سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10345542إن من البيان سحرا وإن من العلم جهلا ، وإن من الشعر حكما وإن من القول عيالا " وفي رواية لغير
أبي داود عيلا بفتح العين أي : ثقيلا ووبالا قال بعض السلف : صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10345543إن من البيان سحرا ; فالرجل يكون عليه الحق ، وهو ألحن بالحجة من صاحب الحق ، فيسحر القوم ببيانه ، فيذهب بالحق ، وأما قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10345544وإن من العلم جهلا ، فتكلف العالم إلى علمه ما لم يعلم بجهله ، وأما قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10345545وإن من الشعر حكما ، فهو هذه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس ، ومفهومه أن بعض الشعر ليس كذلك إذ ( من ) تبغيضية ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=treesubj&link=18936أن من الشعر حكمة أي : قولا صادقا مطابقا قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : وبه يرد على من كره الشعر مطلقا ، ولا حجة له في قول
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود الشعر مزامير الشيطان لأنه على تقدير ثبوته محمول على الإفراط فيه والإكثار منه أو على الشعر المذموم ، وكذا ما ورد من أن إبليس لما أهبط إلى الأرض قال : رب اجعل لي قرآنا قال : قرآنك الشعر .
( حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْفَزَارُ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ فَالزَّايِ (
nindex.php?page=showalam&ids=16609وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ وَالْمَعْنَى ) أَيِ : الْمُؤَدَّى ( وَاحِدٌ قَالَا ) أَيْ : كِلَاهُمَا ( حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12458عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ ) بِكَسْرِ الزَّايِ فَنُونٍ ، وَفِي نُسْخَةٍ بِتَحْتِيَّةٍ ، وَاسْمُهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11863عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ عَلَى مَا فِي التَّقْرِيبِ ( عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17245هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضَعُ
nindex.php?page=showalam&ids=144لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ ) ضُبِطَ
حَسَّانُ مُنْصَرِفًا وَغَيْرَ مُنْصَرِفٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فَعَّالٌ أَوْ فَعْلَانُ ، وَالثَّانِي هُوَ الْأَظْهَرُ فَتَدَبَّرْ ، وَهُوَ
ثَابِتُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ عَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً نِصْفُهَا فِي الْإِسْلَامِ ، وَكَذَا عَاشَ أَبُوهُ وَجَدُّ أَبِيهِ الْمَذْكُورُونَ ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ قَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ فِي أَسْمَاءِ رِجَالِهِ : يُكَنَّى
أَبَا الْوَلِيدِ الْأَنْصَارِيَّ الْخَزْرَجِيَّ ، وَهُوَ مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : اجْتَمَعَتِ الْعَرَبُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31600أَشْعَرَ أَهْلِ الْمَدَرِ nindex.php?page=showalam&ids=144حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَوَى عَنْهُ
عُمَرُ nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ ، وَمَاتَ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ فِي خِلَافَةِ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ، وَقِيلَ سَنَةُ خَمْسِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
( مِنْبَرًا ) بِكَسْرِ الْمِيمِ آلَةُ النَّبْرِ ، وَهُوَ الرَّفْعُ ( فِي الْمَسْجِدِ ) أَيْ : مَسْجِدِ
الْمَدِينَةِ ( يَقُومُ عَلَيْهِ قَائِمًا ) أَيْ : قِيَامًا وَقَالَ
مِيرَكُ : نَقْلًا عَنِ الْمُفَصَّلِ قَدْ يَرِدُ الْمَصْدَرُ عَلَى وَزْنِ اسْمِ الْفَاعِلِ نَحْوَ قُمْتُ قَائِمًا انْتَهَى . وَفِي نُسْخَةٍ يَقُولُ عَلَيْهِ قَائِمًا أَيْ : يَقُولُ
حَسَّانُ الشِّعْرَ ، وَيُنْشِدُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ حَالَ كَوْنِهِ قَائِمًا ( يُفَاخِرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ قَالَ ) عَلَى مَا فِي الْأَصْلِ الْأَصِيلِ أَيْ :
عُرْوَةُ رِوَايَةً عَنْ
عَائِشَةَ ، وَفِي نُسْخَةٍ وَهِيَ الظَّاهِرُ أَوْ قَالَتْ أَيْ :
عَائِشَةُ ( يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ) أَيْ : يُخَاصِمُ عَنْ قِبَلِهِ ، وَيُدَافِعُ عَنْ جِهَتِهِ فَقِيلَ الْمُنَافَحَةُ الْمُخَاصَمَةُ ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يُهَاجِي الْمُشْرِكِينَ ، وَيَذُمُّهُمْ عَنْهُ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ : يُنَافِحُ أَيْ : يُدَافِعُ وَالْمُنَافَحَةُ وَالْمُكَافَحَةُ : الْمُدَافَعَةُ وَالْمُضَارَبَةُ ، نَفَحْتُ الرَّجُلَ بِالسَّيْفِ تَنَاوَلْتُهُ بِهِ يُرِيدُ بِمُنَافَحَتِهِ مُدَافَعَةَ هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَمُجَاوَبَتِهِمْ عَنْ أَشْعَارِهِمْ ( وَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَعَدُّدِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْهُ لَهُ ( أَنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ
حَسَّانَ ) وَفِي نُسْخَةٍ
حَسَّانًا (
بِرُوحِ الْقُدُسِ ) بِضَمِّ الدَّالِ ، وَسُكُونِهِ أَيْ :
بِجِبْرِيلَ وَسُمِّيَ بِهِ ; لِأَنَّهُ يَأْتِي الْأَنْبِيَاءَ
[ ص: 56 ] بِمَا فِيهِ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ ، وَالْمَعْرِفَةُ السَّرْمَدِيَّةُ ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى الْقُدُسِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ ; لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْهَا ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ مُصَرِّحًا ، وَهُوَ أَنَّ
جِبْرِيلَ مَعَ
حَسَّانَ ( مَا يُنَافِحُ أَوْ يُفَاخِرُ ) لِلشَّكِ ، وَيَحْتَمِلُ التَّنْوِيعَ وَفِي رِوَايَةٍ : مَا نَافَحَ ( عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ) فَمَا لِلدَّوَامِ وَالْمُدَّةِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24659الْأَشْعَارَ الَّتِي فِيهَا دَفْعُ مَا يَقُولُهُ الْمُشْرِكُونَ فِي شَأْنِ اللَّهِ ، وَرَسُولِهِ لَيْسَ مِمَّا لَا يَجُوزُ ، وَلَا يَكُونُ مِمَّا يُلْهِمُهُ الْمَلَكُ ، وَلَيْسَ مِنَ الشِّعْرِ الَّذِي قَالَهُ الشُّعَرَاءُ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ وَإِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ إِلَيْهِمْ بِمَعَانٍ فَاسِدَةٍ ، فَالْجُمْلَةُ إِخْبَارِيَّةٌ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ
الطِّيبِيِّ أَنَّهَا جُمْلَةٌ دُعَائِيَّةٌ ، وَيُسَاعِدُهُ مَا الدَّوَامِيَّةُ حَيْثُ قَالَ : وَذَلِكَ لِأَنَّ عِنْدَ أَخْذِهِ فِي الْهَجْوِ وَالطَّعْنِ فِي الْمُشْرِكِينَ ، وَأَنْسَابِهِمْ مَظِنَّةَ الْفُحْشِ مِنَ الْكَلَامِ ، وَبَذَاءَةِ اللِّسَانِ ، وَيُؤَدِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا يَكُونُ عَلَيْهِ لَا لَهُ ، فَيَحْتَاجُ إِلَى التَّأْيِيدِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَتَقْدِيسِهِ مِنْ ذَلِكَ
بِرُوحِ الْقُدُسِ ، وَهُوَ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ انْتَهَى .
وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُ
التُّورِبِشْتِيِّ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ شِعْرَكَ هَذَا الَّذِي تُنَافِحُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يُلْهِمُكَ الْمَلَكُ سَبِيلَهُ ، بِخِلَافِ مَا يَتَقَوَّلُهُ الشُّعَرَاءُ إِذَا اتَّبَعُوا الْهَوَى وَهَامُوا فِي كُلِّ وَادٍ ; فَإِنَّ مَادَّةَ قَوْلِهِمْ مِنْ إِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ إِلَيْهِمُ انْتَهَى .
وَقِيلَ لَمَّا دَعَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعَانَهُ
جِبْرِيلُ بِسَبْعِينَ بَيْتًا هَذَا .
وَقَدْ قَالَ
الْحَنَفِيُّ : ادِّعَاءُ الْعَظَمَةِ ، وَالْكِبْرِيَاءِ ، وَالشَّرَفِ أَيْ : يُفَاخِرُ لِأَجْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُجْهَتُهُ انْتَهَى . وَظَاهِرُهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ مَعْنَاهُ أَنَّ
حَسَّانًا يُظْهِرُ الْعَظَمَةَ وَالْكِبْرِيَاءَ وَالشَّرَفَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَأَنَّ شَارِحًا عَكَسَ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ ، وَنَسَبَ الْكِبْرَ ، وَالْعَظَمَةَ إِلَى
حَسَّانَ لِأَجْلِ أَنَّهُ شَاعِرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ ; فَإِنَّهُ أَبْلَغُ بَلَاغَةً وَتَبْلِيغًا ; فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ التَّابِعُ مُعَظَّمًا لِأَجْلِ الْمَتْبُوعِ كَانَ الْمَتْبُوعُ فِي غَايَةٍ مِنَ الْعَظَمَةِ بِالْبُرْهَانِ الْجَلِيِّ ، وَالتِّبْيَانِ الْعَلِيِّ كَمَا حُقِّقَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَكَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الْبُرْدَةِ عَلَى طَرِيقِ الْعَكْسِ فِي الدَّلِيلِ إِيمَاءً إِلَى حَقِيقَةِ التَّعْلِيلِ . لَمَّا دَعَا اللَّهُ دَاعِينَا لِطَاعَتِهِ بِأَكْرَمِ الرُّسْلِ كُنَّا أَكْرَمَ الْأُمَمِ .
وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ عَنْ بِمَعْنَى مِنْ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ تَنَاوُبُ الْحُرُوفِ فِي الْعُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ إِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِيَّةِ ، وَإِمَّا عَلَى قَصْدِ الْمَعَانِي التَّضَمُّنِيَّةِ .
وَأَمَّا مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ نِسْبَةَ الْكِبْرِ مَذْمُومَةٌ ; فَلَيْسَتْ عَلَى إِطْلَاقِهَا ; فَإِنَّ التَّكَبُّرَ عَلَى الْكَافِرِينَ قُرْبَةٌ ، وَعَلَى سَائِرِ الْمُتَكَبِّرِينَ صَدَقَةٌ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ فَانْدَفَعَ بِهَذَا مَا قَالَهُ
ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ عِنْدَ مَنْ لَهُ ذَوْقٌ سَلِيمٌ أَنَّهُ يَذْكُرُ مَفَاخِرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَثَالِبَ أَعْدَائِهِ ، وَرَدِّ مَقُولِهِمْ فِي حَقِّهِ .
وَأَمَّا مَا قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَنْسِبُ نَفْسَهُ إِلَى الشَّرَفِ ، وَالْكِبْرِ وَالْعِظَمِ بِكَوْنِهِ مِنْ أُمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُمْتَازِ بِالْفَضْلِ عَلَى الْخَلَائِقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، فَهُوَ بَعِيدٌ مُتَكَلَّفٌ وَلَيْتَهُ لَمْ يَذْكُرِ الْكِبْرَ ; فَإِنَّ ذِكْرَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ فِيهِ مَا فِيهِ انْتَهَى .
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَا فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يُوَافِيهِ وَلَا يُنَافِيهِ ، ثُمَّ لَا تَنَافِي بَيْنَ جَمْعِهِ بَيْنَ الْمُفَاخَرَتَيْنِ .
نَعَمِ الْغَالِبُ عَلَيْهِ إِظْهَارُ فَخْرِهِ وَتَعْظِيمُ قَدْرِهِ ، وَتَفْخِيمُ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ
لَمَّا جَاءَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنُو تَمِيمٍ ، وَشَاعِرُهُمُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ ; فَنَادَوْهُ يَا مُحَمَّدُ اخْرُجْ إِلَيْنَا نُفَاخِرْكَ أَوْ نُشَاعِرْكَ ; فَإِنَّ مَدْحَنَا زَيْنٌ [ ص: 57 ] وَذَمَّنَا شَيْنٌ ; فَلَمْ يَزِدْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ قَالَ : ذَلِكَ اللَّهُ إِذَا مَدَحَ زَانَ وَإِذَا ذَمَّ شَانَ ، إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِالشِّعْرِ ، وَلَا بِالْفَخْرِ ، وَلَكِنْ هَاتُوا فَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - nindex.php?page=showalam&ids=215ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ أَنْ يُجِيبَ خَطِيبَهُمْ ، فَخَطَبَ فَغَلَبَهُمْ ، فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ ، فَقَالَ :
أَتَيْنَاكَ كَيْمَا يَعْرِفُ النَّاسُ فَضْلَنَا إِذَا خَالَفُونَا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَكَارِمِ
وَأَنَّا رُءُوسُ النَّاسِ فِي كُلِّ مَشْعَرٍ
وَأَنْ لَيْسَ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ كَدَارِمِ
فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَسَّانًا يُجِيبُهُمْ فَقَامَ فَقَالَ :
بَنِي دَارِمٍ لَا تَفْخَرُوا إِنَّ فَخْرَكُمْ يَعُودُ وَبَالًا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَكَارِمِ
هَبِلْتُمْ عَلَيْنَا تَفْخَرُونَ وَأَنْتُمُ لَنَا خَوَلٌ مَا بَيْنَ قَنٍّ وَخَادِمِ
فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ شَاعِرُهُمْ ،
وَثَابِتٌ الْمَذْكُورُ خَطِيبُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَطِيبُ
الْأَنْصَارِ ، وَهُوَ خَزْرَجِيٌّ شَهِدَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَنَّةِ ، وَاسْتُشْهِدَ
بِالْيَمَامَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ هَذَا ، وَقَدْ رَوَى
أَبُو دَاوُدَ عَنْ
بُرَيْدَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10345542إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ جَهْلًا ، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حُكْمًا وَإِنَّ مِنَ الْقَوْلِ عِيَالًا " وَفِي رِوَايَةٍ لِغَيْرِ
أَبِي دَاوُدَ عَيْلًا بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ : ثَقِيلًا وَوَبَالًا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10345543إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا ; فَالرَّجُلُ يَكُونُ عَلَيْهِ الْحَقُّ ، وَهُوَ أَلْحَنُ بِالْحُجَّةِ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ ، فَيَسْحَرُ الْقَوْمَ بِبَيَانِهِ ، فَيَذْهَبُ بِالْحَقِّ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10345544وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ جَهْلًا ، فَتَكَلُّفُ الْعَالِمِ إِلَى عِلْمِهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِجَهْلِهِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10345545وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا ، فَهُوَ هَذِهِ الْمَوَاعِظُ وَالْأَمْثَالُ الَّتِي يَتَّعِظُ بِهَا النَّاسُ ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ بَعْضَ الشِّعْرِ لَيْسَ كَذَلِكَ إِذْ ( مِنْ ) تَبْغِيضِيَّةٌ ، وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ nindex.php?page=treesubj&link=18936أَنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً أَيْ : قَوْلًا صَادِقًا مُطَابِقًا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ : وَبِهِ يُرَدُّ عَلَى مَنْ كَرِهَ الشِّعْرَ مُطْلَقًا ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ الشِّعْرُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِفْرَاطِ فِيهِ وَالْإِكْثَارِ مِنْهُ أَوْ عَلَى الشِّعْرِ الْمَذْمُومِ ، وَكَذَا مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ قَالَ : رَبِّ اجْعَلْ لِي قُرْآنًا قَالَ : قُرْآنُكَ الشِّعْرُ .