صفحة جزء
الفصل الخامس : بر آله ، وذريته ، وأمهات المؤمنين

ومن توقيره - صلى الله عليه وسلم - ، وبره ، بر آله ، وذريته ، وأمهات المؤمنين أزواجه ، كما حض عليه - صلى الله عليه وسلم - ، وسلكه السلف الصالح - رضي الله عنهم - .

قال الله - تعالى - : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت [ الأحزاب : 33 ] الآية .

وقال - تعالى - : وأزواجه أمهاتهم [ الأحزاب : 6 ] .

[ أخبرنا الشيخ أبو محمد بن أحمد العدل من كتابه ، وكتبت من أصله : حدثنا أبو الحسن المقرئ الفرغاني ، حدثتني أم القاسم بنت الشيخ أبي بكر الخفاف ، قالت : حدثني أبي ، حدثنا حاتم هو ابن عقيل ، حدثنا يحيى هو ابن إسماعيل ، حدثنا يحيى هو الحماني ، حدثنا وكيع ، عن أبيه ، عن سعيد بن مسروق ، عن يزيد بن حيان ، ] عن زيد بن أرقم رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنشدكم الله أهل بيتي . . . ثلاثا .

قلنا لزيد : من أهل بيته ؟ قال : آل علي ، وآل جعفر ، وآل عقيل ، وآل العباس .

وقال - صلى الله عليه وسلم - : إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما .

وقال - صلى الله عليه وسلم - : معرفة آل محمد - صلى الله عليه وسلم - براءة من النار ، وحب آل محمد جواز على الصراط ، والولاية لآل محمد أمان من العذاب .

قال بعض العلماء : معرفتهم هي معرفة مكانهم من [ ص: 407 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإذا عرفهم بذلك عرف وجوب حقهم ، وحرمتهم بسببه .

وعن عمر بن أبي سلمة : لما نزلت : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت [ الأحزاب : 33 ] ، وذلك في بيت أم سلمة دعا فاطمة ، وحسنا ، وحسينا ، فجللهم بكساء ، وعلي خلف ظهره ، ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيرا .

وعن سعد بن أبي وقاص : لما نزلت آية المباهلة دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا ، وحسنا ، وحسينا ، وفاطمة ، وقال : اللهم هؤلاء أهلي .

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في علي : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم ، وال من والاه ، وعاد من عاداه .

وقال فيه : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق .

وقال للعباس : والذي نفسي بيده ، لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله [ ص: 408 ] ورسوله . ومن آذى عمي فقد آذاني ، وإنما عم الرجل صنو أبيه .

وقال للعباس : اغد علي يا عم مع ولدك ، فجمعهم ، وجللهم بملاءته ، وقال : هذا عمي ، وصنو أبي ، وهؤلاء أهل بيتي ، فاسترهم من النار كستري إياهم فأمنت أسكفة الباب ، وحوائط البيت : آمين . آمين .

وكان يأخذ أسامة بن زيد ، والحسن ، ويقول : اللهم إني أحبهما فأحبهما .

وقال أبو بكر رضي الله عنه : ارقبوا محمدا في أهل بيته .

وقال أيضا : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي أن أصل من قرابتي .

وقال - صلى الله عليه وسلم - : أحب الله من أحب حسنا ، .

وقال : من أحبني ، وأحب هذين ، وأشار إلى حسن ، وحسين ، وأباهما ، وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة .

وقال - صلى الله عليه وسلم - : من أهان قريشا أهانه الله .

وقال - صلى الله عليه وسلم - : قدموا قريشا ، ولا تقدموها .

وقال - صلى الله عليه وسلم - لأم سلمة : لا تؤذيني في عائشة .

وعن عقبة بن الحارث : رأيت أبا بكر - رضي الله عنه - ، وجعل [ ص: 409 ] الحسن على عنقه ، وهو يقول : بأبي شبيه بالنبي ، ليس شبيها بعلي ، وعلي - رضي الله عنه - يضحك .

وروي عن عبد الله بن حسن بن حسين ، قال : أتيت عمر بن عبد العزيز في حاجة ، فقال لي : إذا كانت لك حاجة فأرسل إلي أو اكتب ، فإني أستحي من الله أن يراك على بابي .

وعن الشعبي قال : صلى زيد بن ثابت على جنازة أمه ، ثم قربت له بغلته ليركبها ، فجاء ابن عباس ، فأخذ بركابه ، فقال زيد : خل عنه يا ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقال : هكذا نفعل بالعلماء . فقبل زيد يد ابن عباس ، وقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا .

ورأى ابن عمر محمد بن أسامة بن زيد ، فقال : ليت هذا عبدي ، فقيل له : هو محمد بن أسامة . فطأطأ ابن عمر رأسه ، ونقر بيده الأرض ، وقال : لو رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأحبه .

وقال الأوزاعي : دخلت بنت أسامة بن زيد صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عمر بن عبد العزيز ، ومعها مولى لها يمسك بيدها ، فقام لها عمر ، ومشى إليها حتى جعل يدها بين يديه ، ويداه في ثيابه ، ومشى بها حتى أجلسها على مجلسه ، وجلس بين يديها ، وما ترك لها حاجة إلا قضاها .

[ ص: 410 ] ولما فرض عمر بن الخطاب لابنه عبد الله في ثلاثة آلاف ، ولأسامة بن زيد في ثلاثة آلاف وخمسمائة قال عبد الله لأبيه : لم فضلته ، فوالله ما سبقني إلى مشهد ؟ فقال له : لأن زيدا كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبيك ، وأسامة أحب إليه منك ، فآثرت حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حبي .

وبلغ معاوية أن كابس بن ربيعة يشبه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما دخل عليه من باب الدار قام عن سريره ، وتلقاه ، وقبل بين عينيه ، وأقطعه المرعاب لشبهه صورة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وروي أن مالكا - رحمه الله - لما ضربه جعفر بن سليمان ، ونال منه ما نال ، وحمل مغشيا عليه دخل عليه الناس فأفاق ، فقال : أشهدكم أني جعلت ضاربي في حل .

فسئل بعد ذلك ، فقال : خفت أن أموت ، فألقى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأستحي منه أن يدخل بعض آله النار بسببي .

وقيل : إن المنصور أقاده من جعفر ، فقال له : أعوذ بالله ! ، والله ما ارتفع منها سوط عن جسمي إلا وقد جعلته في حل لقرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وقال أبو بكر بن عياش : لو أتاني أبو بكر ، وعمر ، وعلي لبدأت بحاجة علي قبلهما ، لقرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي من أن أقدمه عليهما .

وقيل لابن عباس : ماتت فلانة لبعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فسجد ، فقيل له : أتسجد هذه الساعة ؟ فقال : أليس قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا رأيتم آية فاسجدوا وأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ .

[ ص: 411 ] وكان أبو بكر ، وعمر يزوران أم أيمن مولاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويقولان : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها .

ولما وردت حليمة السعدية على النبي - صلى الله عليه وسلم - بسط لها رداءه ، وقضى حاجتها ، فلما توفي ، وفدت على أبي بكر ، وعمر فصنعا بها مثل ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية