صفحة جزء
الفصل التاسع عشر : في الآيات في ضروب الحيوانات

[ حدثنا سراج بن عبد الملك ، حدثنا أبو الحسن الحافظ ، حدثنا أبي ، حدثنا القاضي يونس ، قال : حدثنا أبو الفضل الصقلي ، حدثنا ثابت بن قاسم بن ثابت ، عن أبيه ، وجده ، قالا : حدثنا أبو العلاء أحمد بن عمران ، حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا يونس بن عمرو ، حدثنا مجاهد عن عائشة - رضي الله عنها - ، قالت : كان عندنا داجن ، فإذا كان عندنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قر ، وثبت مكانه فلم يجئ ، ولم يذهب ، وإذا خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء ، وذهب .

وروي عن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في محفل من أصحابه إذ جاء أعرابي قد صاد ضبا ، فقال ، ما هذا ؟ قالوا : نبي الله . فقال : واللات ، والعزى ، لا آمنت بك أو يؤمن هذا الضب ، وطرحه بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يا ضب ، فأجابه بلسان مبين يسمعه القوم جميعا : لبيك ، وسعديك يا زين من وافى القيامة . قال : من تعبد ؟ قال : الذي في السماء عرشه ، وفي الأرض سلطانه ، وفي البحر سبيله ، وفي الجنة رحمته ، وفي النار عقابه . قال : فمن أنا ؟ قال : رسول الله رب العالمين ، وخاتم النبيين ، وقد أفلح من صدقك ، [ ص: 311 ] وخاب من كذبك . فأسلم الأعرابي .

ومن ذلك قصة كلام الذئب المشهورة عن أبي سعيد الخدري : بينا راع يرعى غنما له عرض الذئب لشاة منها ، فأخذها الراعي منه ، فأقعى الذئب ، وقال للراعي : ألا تتقي الله ! حلت بيني ، وبين رزقي ! قال الراعي : العجب من ذئب يتكلم بكلام الإنس ! فقال الذئب : ألا أخبرك بأعجب من ذلك ؟ رسول الله بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبق .

فأتى الراعي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : قم فحدثهم ، ثم قال : صدق
.

والحديث فيه قصة ، وفي بعضه طول .

وروي حديث الذئب عن أبي هريرة .

وفي بعض الطرق عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، فقال الذئب : أنت أعجب ! واقفا على غنمك ، وتركت نبيا لم يبعث الله نبيا قط أعظم منه عنده قدرا ، قد فتحت له أبواب الجنة ، وأشرف أهلها على أصحابه ، ينظرون قتالهم ، وما بينك وبينه إلا هذا الشعب ، فتصير من جنود الله . قال الراعي : من لي بغنمي ؟ قال الذئب : أنا أرعاها حتى ترجع . فأسلم الرجل إليه غنمه ، ومضى .

وذكر قصته ، وإسلامه ، ووجوده النبي - صلى الله عليه وسلم - يقاتل ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : عد إلى غنمك تجدها بوفرها . فوجدها كذلك ، وذبح للذئب شاة منها
.

وعن أهبان بن أوس : وأنه كان صاحب القصة ، والمحدث بها ، ومكلم الذئب .

وعن سلمة بن عمرو بن الأكوع : وأنه كان صاحب هذه القصة أيضا ، وسبب إسلامه بمثل حديث أبي سعيد .

وقد روى ابن وهب مثل هذا أنه جرى لأبي سفيان بن حرب ، وصفوان بن أمية ، مع ذئب وجداه أخذ ظبيا ، فدخل الظبي الحرم ، فانصرف الذئب ، فعجبا من ذلك ، فقال الذئب : أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم إلى الجنة ، وتدعونه إلى النار . فقال أبو سفيان : واللات ، والعزى ، لئن ذكرت هذا بمكة لتتركنها خلوفا

وقد روي مثل هذا الخبر ، وأنه جرى لأبي جهل ، وأصحابه .

وعن [ ص: 312 ] عباس بن مرداس لما تعجب من كلام ضمار صنمه ، وإنشاده الشعر الذي ذكر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا طائر سقط ، فقال : يا عباس ، أتعجب من كلام ضمار ، ولا تعجب من نفسك ؟ إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الإسلام ، وأنت جالس ، فكان سبب إسلامه .

وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - ، عن رجل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وآمن به ، وهو على بعض حصون خيبر ، وكان في غنم يرعاها لهم ، فقال يا رسول الله ، كيف بالغنم ؟ قال : أحصب وجوهها ، فإن الله سيؤدي عنك أمانتك ، ويردها إلى أهلها . ففعل ، فسارت كل شاة حتى دخلت إلى أهلها .

وعن أنس - رضي الله عنه - : دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - حائط أنصاري ، وأبو بكر ، وعمر ، ورجل من الأنصار - رضي الله عنهم - وفي الحائط غنم فسجدت له . فقال أبو بكر : نحن أحق بالسجود لك منها . . . الحديث .

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - حائطا ، فجاء بعير فسجد له ، وذكر مثله .

ومثله في الجمل ، عن ثعلبة بن مالك ، وجابر بن عبد الله ، ويعلى بن مرة ، وعبد الله بن جعفر ، قال : وكان لا يدخل أحد الحائط إلا شد عليه الجمل ، فلما دخل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاه ، فوضع مشفره على الأرض ، وبرك بين يديه ، فخطمه ، وقال : ما بين السماء ، والأرض شيء إلا يعلم أني رسول الله إلا عاصي الجن ، والإنس .

ومثله عن عبد الله بن أبي أوفى .

وفي خبر آخر في حديث الجمل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سألهم عن شأنه فأخبروه أنهم أرادوا ذبحه .

وفي رواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم : إنه شكا كثرة العمل ، وقلة العلف .

وفي رواية أنه شكا إلي أنكم أردتم ذبحه بعد أن استعملتموه [ ص: 313 ] في شاق العمل من صغره فقالوا : نعم .

وقد روي في قصة العضباء ، وكلامها للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتعريفها له بنفسها ، ومبادرة العشب إليها في الرعي ، وتجنب الوحوش عنها ، وندائهم لها : إنك لمحمد ، وإنها لم تأكل ، ولم تشرب بعد موته حتى ماتت .

ذكره الإسفرائيني .

وروى ابن وهب ، أن حمام مكة أظلت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتحها ، فدعا لها بالبركة .

وروي عن أنس ، وزيد بن أرقم ، والمغيرة بن شعبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أمر الله ليلة الغار شجرة ، فثبتت تجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فسترته ، وأمر حمامتين فوقفتا بفم الغار .

وفي حديث آخر : وإن العنكبوت نسجت على بابه ، فلما أتى الطالبون له ، ورأوا ذلك قالوا : لو كان فيه أحد لم تكن الحمامتان ببابه ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يسمع كلامهم ، فانصرفوا .

وعن عبد الله بن قرط : قرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدنات خمس أو سبع ، لينحرها يوم عيد ، فازدلفن إليه بأيهن يبدأ .

وعن أم سلمة : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحراء ، فنادته ظبية ، يا رسول الله ، قال : ما حاجتك ؟ قالت : صادني هذا الأعرابي ، ولي خشفان في ذلك الجبل ، فأطلقني حتى أذهب فأرضعهما ، وأرجع . قال : أوتفعلين ؟ قالت : نعم . فأطلقها ، فذهبت ، ورجعت ، فأوثقها ، فانتبه الأعرابي ، وقال : يا رسول الله ، ألك حاجة ؟ قال : تطلق هذه الظبية فأطلقها فخرجت تعدو في الصحراء ، وتقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله .

ومن هذا الباب ما روي من تسخير الأسد لسفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إذ وجهه إلى معاذ باليمن فلقي الأسد فعرفه أنه مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومعه كتابه ، فهمهم ، وتنحى عن الطريق ، وذكر في منصرفه مثل ذلك .

وفي رواية أخرى عنه أن سفينة تكسرت به ، فخرج إلى جزيرة ، فإذا الأسد ، فقلت له : أنا [ ص: 314 ] مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يغمزني بمنكبه حتى أقامني على الطريق .

وأخذ - عليه السلام - بأذن شاة لقوم من عبد القيس بين إصبعه ، ثم خلاها فصار لها ميسما ، وبقي ذلك الأثر فيها ، وفي نسلها بعد .

وما روي عن إبراهيم بن حماد بسنده من كلام الحمار الذي أصابه بخيبر ، وقال له : اسمي يزيد بن شهاب . فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعفورا ، وأنه كان يوجهه إلى دور أصحابه ، فيضرب عليهم الباب برأسه ، ويستدعيهم ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مات تردى في بئر جزعا ، وحزنا ، فمات .

وحديث الناقة التي شهدت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - لصاحبها أنه ما سرقها ، وأنها ملكه .

وفي العنز : التي أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عسكره ، وقد أصابهم عطش ، ونزلوا على غير ماء ، وهم زهاء ثلاثمائة ، فحلبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأروى الجند ، ثم قال لرافع : املكها ، وما أراك فربطها فوجدها قد انطلقت . رواه ابن قانع ، وغيره .

وفيه : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الذي جاء بها هو الذي ذهب بها .

وقال لفرسه - عليه السلام - ، وقد قام إلى الصلاة في بعض أسفاره : لا تبرح ، بارك الله فيك حتى نفرغ من صلاتنا ، وجعله قبلته ، فما حرك عضوا حتى صلى - صلى الله عليه وسلم - .

ويلتحق بهذا ما رواه الواقدي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وجه رسله إلى الملوك ، فخرج ستة نفر منهم في يوم واحد ، فأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه إليهم .

والحديث في هذا الباب كثير ، وقد جئنا منه بالمشهور ، وما وقع في كتب الأئمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية