بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( فصل ) :

ومنها أن لا يكون بها حمل ثابت النسب من الغير فإن كان لا يجوز نكاحها ، وإن لم تكن معتدة كمن تزوج أم ولد إنسان - وهي حامل من مولاها - لا يجوز ، وإن لم تكن معتدة لوجود حمل ثابت النسب ، وهذا ; لأن الحمل إذا كان ثابت النسب من الغير - وماؤه محرم - لزم حفظ حرمة مائه بالمنع من النكاح ، وعلى هذا يخرج ما إذا تزوج امرأة حاملا من الزنا أنه يجوز في قول أبي حنيفة ومحمد ، ولكن لا يطؤها حتى تضع وقال أبو يوسف : ( لا يجوز ) وهو قول زفر .

( وجه ) قول أبي يوسف أن هذا الحمل يمنع الوطء فيمنع العقد أيضا كالحمل الثابت النسب ، وهذا ; لأن المقصود من النكاح هو حل الوطء فإذا لم يحل له وطؤها لم يكن النكاح مفيدا فلا يجوز ، ولهذا لم يجز إذا كان الحمل ثابت النسب كذا هذا ( ولهما ) أن المنع من نكاح الحامل حملا ثابت النسب ; لحرمة ماء الوطء ولا حرمة لماء الزنا بدليل أنه لا يثبت به النسب قال النبي : صلى الله عليه وسلم { الولد للفراش وللعاهر الحجر } فإذا لم يكن له حرمة لا يمنع جواز النكاح إلا أنها لا توطأ حتى تضع لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره } وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا يحل لرجلين يؤمنا بالله واليوم الآخر أن يجتمعا على امرأة في طهر واحد } وحرمة الوطء بعارض طارئ على المحل لا ينافي النكاح لا بقاء ولا ابتداء كالحيض والنفاس .

وأما المهاجرة إذا كانت حاملا فعن أبي حنيفة روايتان روى محمد عنه أنه لا يجوز نكاحها ، وهو إحدى روايتي أبي يوسف عنه وعن أبي يوسف [ ص: 270 ] رواية أخرى عن أبي حنيفة أنه يجوز نكاحها ، ولكنها لا توطأ حتى تضع ( وجه ) هذه الرواية أن ماء الحربي لا حرمة له ، فكان بمنزلة ماء الزاني وذا لا يمنع جواز النكاح كذا هذا إلا أنها لا توطأ حتى تضع لما روينا ( وجه ) الرواية الأخرى أن هذا حمل ثابت النسب ; لأن أنساب أهل الحرب ثابتة فيمنع جواز النكاح كسائر الأحمال الثابتة النسب والطحاوي اعتمد رواية أبي يوسف ، والكرخي رواية محمد وهي المعتمد عليها ; لأن حرمة نكاح الحامل ليست لمكان العدة لا محالة فإنها قد تثبت عند عدم العدة كأم الولد إذا كانت حاملا من مولاها بل لثبوت نسب الحمل كما في أم الولد ، والحمل ههنا ثابت النسب فيمنع النكاح ، وعلى هذا نكاح المسبية دون الزوج إذا كانت حاملا وأخرجت إلى دار الإسلام يجب أن يكون على اختلاف الرواية ، ولا خلاف في أنه لا يحل وطؤها قبل الوضع ولا قبل الاستبراء بحيضة إذا كانت حاملا ، والأصل فيه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في سبايا أوطاس : { ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرئن بحيضة } .

التالي السابق


الخدمات العلمية