بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
وأما الذي يتعلق بما بعد موت المولى فمنها عتقها ; لأن عتقها كان معلقا شرعا بموت المولى لما روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أيما رجل ولدت أمته منه فهي معتقة عن دبر منه } .

وقد روينا عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين ولدت أم إبراهيم عليه السلام أعتقها ولدها } ومعلوم أنه لا يثبت حقيقة العتق في حال الحياة ، فلو لم يثبت بعد الموت لتعطل الحديث ، ولأن سبب ثبوت العتق قد وجد وهو ثبوت نسب الولد ولم يعمل في حال الحياة فلو لم يعمل بعد الموت لبطل السبب ، ويستوي فيه الموت الحقيقي والحكمي بالردة واللحوق بدار الحرب لما ذكرنا في كتاب التدبير .

وكذا الحربي والمستأمن إذا اشترى جارية في دار الإسلام واستولدها ثم يرجع إلى دار الحرب فاسترق الحربي عتقت الجارية لما ذكرنا في المدبر ، وكذا يعتق ولدها الذي ليس من مولاها إذ سرت أمومية الولد إليها على ما بينا ; لأن الولد يتبع الأم في الرق والحرية .

ومنها أنها تعتق من جميع المال ولا تسعى للوارث ولا للغريم بخلاف المدبرة لما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { أم الولد لا تباع ولا توهب وهي حرة من جميع المال } وهذا نص ، وروينا عن سعيد بن المسيب أنه قال { : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعتق أمهات الأولاد من غير الثلث ، ولا يبعن في دين ولا يجعلن في الثلث } وفي بعض الروايات : { ولا يجعلن في الثلث ولا يستسعين في دين } ، وفي بعضها { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعتق أمهات الأولاد من غير الثلث ولا يبعن في دين } ولأن سبب ثبوت حرية أم الولد هو ثبوت نسب الولد والنسب لا تجامعه السعاية ، كذا حرية الاستيلاد ومنها أن ولاءها للمولى ; لأن الإعتاق منه لما بينا .

التالي السابق


الخدمات العلمية