بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ولو ولدت المكاتبة ولدا واشترت ولدا ، ثم ماتت سعيا في الكتابة على النجوم والذي يلي الأداء المولود في الكتابة ، وهذا بناء على أن المولود في الكتابة يقوم مقام المكاتب ، والولد المشترى لا يقوم مقامه على الاتفاق ، أو على الاختلاف ، إلا أنه يسعى تبعا للولد المولود في الكتابة فلا تجب عليه السعاية .

ألا ترى أن محمدا ذكر في الأصل ، فإن قلت : فلا يجب على الآخر شيء من السعاية ، قال : لأنها لو لم تدع غيره بيع ، إلا أن يؤدي الكتابة عاجلا ، وإنما قلنا : إن الذي يلي الأداء هو الولد المولود في الكتابة ; لما ذكرنا أن الولد المشترى لا يقوم مقام المكاتب على الاتفاق ، أو على أصل أبي حنيفة ، والمكاتبة ولو كاتب حية لكانت تملك كسب ولدها المشترى ، فكذا الذي يقوم مقامها ، وإن سعى المشترى فأدى الكتابة لم يرجع على أخيه بشيء ; لأنه أدى الكتابة من كسب الأم ; لأن كسب أم الولد المشترى للأم ، فإذا أدى الكتابة من كسبه فقد أدى كتابة الأم ، وكسبه لها ، فلا يرجع ، ولما ذكرنا أن الولد المولود قائم مقامها .

ولو كانت الأم باقية فأدى الولد المشترى فعتقت الأم لم يرجع عليه بشيء كذا هذا ، وكذا الولد المولود في الكتابة لو سعى وأدى لم يرجع على المشترى بشيء من هذا المعنى ، وقال [ ص: 158 ] بعضهم : هذا إذا أدى المولود في الكتابة من مال تركته الأم ، فأما إذا أدى من كسب اكتسبه بنفسه فإنه يرجع بنصفه على المشترى ، ولم يذكر في الأصل حكم المولود في الكتابة ، وإنما ذكر حكم المشترى : إنه إذا أدى لا يرجع ، ولو اكتسب هذا الابن المشترى كسبا كان لأخيه أن يأخذه ويستعين به في كتابته ; لما ذكرنا أن الولد المولود قائم مقام الأم ، وهي لو كانت قائمة لكانت تملك أخذ كسب المشترى ، وكذا من يقوم مقامها ، وكذا إذا أراد أن يسلمه في عمل ليأخذ كسبه فيستعين به في مكاتبته كان له ذلك ، وكذلك لو أمره القاضي أن يؤاجر نفسه ، أو أمر أخاه أن يؤاجره ويستعين بأجره على أداء الكتابة كان ذلك جائزا ; لأنه بمنزلتها ، وما اكتسب الولد المولود في الكتابة بعد موت أمه قبل الأداء فهو له خاصة ; لأنه داخل في كتابة الأم وقائم مقامها فما اكتسبه يكون له وما يكتسب أخوه حسب من التركة ، فتقضى منه المكاتبة والباقي منه ميراث بينهما ، والفرق بينهما أن الولد المولود في الكتابة قام مقامها ، فكان حكمها كحكمه وكسب المكاتبة لها ، كذا كسب ولدها .

وأما الولد المشترى فلم يقم مقامها غير أنه كسبها بجميع ما اكتسبه ، فيصير كأنها ماتت عن مال ، ولو ماتت عن مال تؤدى منه كتابتها ، والباقي ميراث بينهما كذا هذا ، وقيل : هذا كله قول أبي حنيفة ، فأما على قولهما فالولدان يقومان مقامها ولا يملك كل واحد منهما كسب صاحبه ; لأن كل واحد منهما لو كان منفردا لقام مقام المكاتبة ويسعى على النجوم عندهما ، فكذا إذا اجتمعا لم يكن أحدهما بأولى من الآخر ، والله - عز وجل - الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية