بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ولو قال : لله علي أن أصوم يوم النحر ، أو أيام التشريق يصح نذره عند أصحابنا الثلاثة ، ويفطر ويقضي وقال زفر رحمه الله والشافعي : لا يصح نذره لهما لأنه نذر بما هو معصية ; لكون الصوم في أيام التشريق منهيا عنه ، لقوله عليه الصلاة والسلام : { ألا لا تصوموا في هذه الأيام ; فإنها أيام أكل وشرب } والمنهي عنه يكون معصية ، والنذر بالمعاصي لا يصح لما بينا والدليل عليه أن الصوم في هذه الأيام لا يلزم بالشروع ، ولا يضمن بالقضاء عند الإفساد بأن أصبح صائما ثم أفطر .

( ولنا ) أنه نذر بقربة مقصودة فيصح النذر ، كما لو نذر بالصوم في غير هذه الأيام ، ودلالة الوصف النص والمعقول .

( أما ) النص فقوله عليه الصلاة والسلام خبرا عن الله - تعالى جل شأنه - { الصوم لي وأنا أجزي به } .

( وأما ) المعقول فهو أنه سبب التقوى والشكر ومواساة الفقراء ; لأن الصائم في زمان الصوم يتقي الحلال ، فالحرام أولى ، ويعرف قدر نعم الله - تعالى جل شأنه - عليه بما تجشم من مرارة الجوع والعطش ; فيحمله ذلك على الشكر ، وعلى الإحسان إلى الفقراء ; لما عرف قدر مقاساة المبتلى بالجوع والفقر وهذه المعاني موجودة في الصوم في هذه الأيام ، وإنها معان مستحسنة عقلا ، والنهي لا يرد عما عرف حسنه عقلا لما فيه من التناقض فيحمل على غير مجاور له صيانة لحجج الله - تعالى - عن التناقض عملا بالدلائل بقدر الإمكان .

( وأما ) فصل الشروع والقضاء فممنوع عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله ، وعند أبي حنيفة - عليه الرحمة - إنما يلزم بالشروع ، ولا يجب القضاء بالإفطار ; لأن لزوم الإتمام في صوم التطوع لضرورة صيانة المؤدى عن الإبطال ; لأن إبطال العمل حرام ، وههنا صاحب الحق وهو الله - تعالى جلت عظمته - رضي بإبطال حقه ، فلا يحرم الإبطال فلا يلزم الإتمام ووجوب القضاء ضرورة لزوم الإتمام فإذا لم يلزم لا يجب .

التالي السابق


الخدمات العلمية