بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ولو نذر بقربة مقصودة من صلاة أو صوم ، فقال رجل آخر : علي مثل ذلك يلزمه وكذا إذا قال علي المشي إلى بيت الله - عز شأنه - ، وكل مملوك لي حر ، وكل امرأة لي طالق إذا دخلت الدار ، فقال رجل آخر : علي مثل ذلك إن دخلت الدار ، ثم [ ص: 89 ] دخل الثاني الدار فإنه يلزمه المشي ، ولا يلزمه العتاق والطلاق ، ثم : قال ألا ترى أنه لو قال : علي طلاق امرأتي فإن الطلاق لا يقع عليها ؟ وهذا يدل على أن من قال : الطلاق علي واجب أنه لا يقع طلاقه .

قال القدوري رحمه الله : وكان أصحابنا بالعراق يقولون فيمن قال : الطلاق لي لازم يقع الطلاق لعرف الناس أنهم يريدون به الطلاق وكان محمد بن سلمة يقول : إن الطلاق يقع بكل حال .

وحكى الفقيه أبو جعفر الهندواني عن علي بن أحمد بن نصر بن يحيى عن محمد بن مقاتل رحمهم الله أنه قال : المسألة على الخلاف ، قال أبو حنيفة - عليه الرحمة - : إذا قال الطلاق لي لازم أو علي واجب - لم يقع وقال محمد : يقع في قوله لازم ولا يقع في قوله واجب ، وحكى ابن سماعة في نوادره عن أبي يوسف في رجل قال : ألزمت نفسي طلاق امرأتي هذه أو ألزمت نفسي عتق عبدي هذا قال : إن نوى به الطلاق والعتاق فهو واقع ، وإلا لم يلزمه ; وكذلك لو قال ألزمت نفسي طلاق امرأتي هذه إن دخلت الدار أو عتق عبدي هذا ; فدخل الدار - وقع الطلاق والعتاق إن نوى ذلك ، وإن لم ينو فليس بشيء جعله بمنزلة كنايات الطلاق .

وجه قول محمد - عليه الرحمة - أن الوقوع للعادة ، والعادة في اللزوم ; لأنهم يذكرونه على إرادة الإيقاع ، ولا عادة في الإيجاب فلا يقع به شيء ولأبي يوسف رحمه الله أن الظاهر الإلزام والإيجاب للنذر ، ويحتمل أن يراد به التزام حكم الطلاق الواقع فيقف على النية كسائر كنايات الطلاق ولأبي حنيفة رحمه الله أن الطلاق لا يحتمل الإيجاب والإلزام ; لأنه ليس بقربة فبطل .

التالي السابق


الخدمات العلمية