بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( ومنها ) : أن يكون مقبوض المرتهن أو من يقوم مقامه والكلام في القبض في مواضع : في بيان أنه شرط جواز الرهن ، وفي بيان شرائط صحته ، وفي تفسير القبض وماهيته ، وفي بيان أنواعه .

( أما ) الأول فقد اختلف العلماء فيه قال عامة العلماء : إنه شرط ، وقياس قول زفر رحمه الله في الهبة أن يكون ركنا كالقبول حتى أن من حلف لا يرهن فلانا شيئا فرهنه ولم يقبضه يحنث عندنا ، وعنده لا يحنث كما في الهبة ، والصحيح قولنا ; لقول الله تبارك وتعالى { فرهان مقبوضة } ولو كان القبض ركنا ، لصار مذكورا بذكر الرهن فلم يكن لقوله تعالى عز شأنه { مقبوضة } معنى ، فدل ذكر القبض مقرونا بذكر الرهن على أنه شرط وليس بركن ، وقال مالك رحمه الله : ليس بركن ولا شرط والصحيح قول العامة ; لقوله تبارك وتعالى { فرهان مقبوضة } وصف سبحانه وتعالى الرهن بكونه مقبوضا فيقتضي أن يكون القبض فيه شرطا ; صيانة لخبره تعالى عن الخلف ; ولأنه عقد تبرع للحال فلا يفيد الحكم بنفسه كسائر التبرعات .

ولو تعاقدا على أن يكون الرهن في يد صاحبه ، لا يجوز الرهن ، حتى لو هلك في يده ، لا يسقط الدين .

ولو أراد المرتهن أن يقبضه من يده ليحبسه رهنا ، ليس له ذلك ; ; لأن هذا شرط فاسد أدخلاه في الرهن فلم يصح الرهن ، ولو تعاقدا على أن يكون في يد العدل وقبضه العدل ، جاز ويكون قبضه كقبض المرتهن ، وهذا قول العامة ، وقال ابن أبي ليلى : لا يصح الرهن إلا بقبض المرتهن .

والصحيح قول العامة ; لقوله تبارك وتعالى { فرهان مقبوضة } من غير فصل بين قبض المرتهن والعدل ; ولأن قبض العدل برضا المرتهن قبض المرتهن معنى ولو قبضه العدل ثم تراضيا على أن يكون الرهن في يد عدل آخر ووضعاه في يده جاز ; ; لأنه جاز وضعه في يد الأول لتراضيهما ، فيجوز وضعه في يد الثاني بتراضيهما ، وكذا إذا قبضه العدل ثم تراضيا على أن يكون في يد المرتهن ، ووضعا في يده جاز ; ; لأنه جاز وضعه في يد الأول لتراضيهما ، فيجوز وضعه في يد الثاني بتراضيهما ، وكذا إذا قبضه العدل ثم تراضيا على أن يكون في يد المرتهن ، ووضعا في يده ; لأنه جاز وضعه في يده في الابتداء ، فكذا في الانتهاء .

وكذا إذا قبضه المرتهن أو العدل ثم تراضيا على أن يكون في يد الراهن ووضعه في يده جاز ; لأن القبض الصحيح للعقد قد وجد ، وقد خرج الرهن من يده فبعد ذلك يده ويد الأجنبي سواء .

ولو رهن رهنا وسلط عدلا على بيعه عند المحل فلم يقبض حتى حل الأجل فالرهن باطل ; لأن صحته بالقبض ، والبيع صحيح ; لأن صحة [ ص: 138 ] التوكيل لا تقف صحته على القبض فصح البيع وإن لم يصح الرهن .

وكذلك لو رهن مشاعا وسلطه على بيعه ، فالرهن باطل والوكالة صحيحة ; لما ذكرنا .

ولو جعل عدلا في الإمساك وعدلا في البيع ، جاز ; ; لأن كل واحد منهما أمر مقصود فيصح إفراده بالتوكيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية