بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( فصل ) :

وأما الشرائط المفسدة للمعاملة فأنواع : دخل بعضها في الشرائط المصححة للعقد ; لأن ما كان وجوده شرطا للصحة كان انعدامه شرطا للإفساد .

( منها ) شرط كون الخارج كله لأحدهما ( ومنها ) شرط أن يكون لأحدهما قفزان مسماة ( ومنها ) شرط العمل على صاحب الأرض .

( ومنها ) شرط الحمل والحفظ بعد القسمة على العامل لما ذكرنا في كتاب المزارعة .

( ومنها ) شرط الجذاذ والقطاف على العامل بلا خلاف ; لأنه ليس من المعاملة في شيء ولانعدام التعامل به أيضا فكان من باب مؤنة الملك ، والملك مشترك بينهما فكانت مؤنته عليهما على قدر ملكيهما .

( ومنها ) شرط عمل تبقى منفعته بعد انقضاء مدة المعاملة نحو السرقنة ونصب العرائش وغرس الأشجار وتقليب الأرض وما أشبه ذلك ; لأنه لا يقتضيه العقد ولا هو من ضرورات المعقود عليه ومقاصده .

( ومنها ) شركة العامل فيما يعمل فيه ; لأن العامل أجير رب الأرض ، واستئجار الإنسان للعمل في شيء هو فيه شريك المستأجر لا يجوز حتى إن النخل لو كان بين رجلين فدفعه أحدهما إلى صاحبه معاملة مدة معلومة على أن الخارج بينهما أثلاث ثلثاه للشريك العامل وثلثه للشريك الساكت فالمعاملة فاسدة والخارج بينهما على قدر الملك ولا أجر للعامل على شريكه لما مر أن في المعاملة معنى الإجارة ، ولا يجوز الاستئجار لعمل فيه الأجير شريك المستأجر وإذا عمل لا يستحق الأجر على شريكه لما عرف في الإجارات ولا يشبه هذا المزارعة ; لأن الأرض إذا كانت مشتركة بين اثنين دفعها أحدهما إلى صاحبه مزارعة على أن يزرعها ببذره .

وله ثلثا الخارج أنه تجوز المزارعة ; لأن هناك لم يتحقق الاستئجار للعمل في شيء الأجير فيه شريك المستأجر لانعدام الشركة في البذر وهنا تحقق لثبوت الشركة في النخل فهو الفرق ، ولا يتصدق واحد منهما بشيء من الخارج ; لأنه خالص ماله لكونه نماء ملكه ، ولو شرطا أن يكون الخارج لهما على قدر ملكيهما جازت المعاملة ; لأن استحقاق كل واحد منهما أعني من الشريكين لكونه نماء ملكه لا بالعمل بل العامل منهما معين لصاحبه في العمل من غير عوض فلم يتحقق الاستئجار .

ولو أمر الشريك الساكت الشريك العامل أن يشتري ما يلقح به النخل فاشتراه رجع عليه بنصف ثمنه ; لأنه اشترى مالا متقوما على الشركة بأمره فيرجع عليه ، وسواء كان العامل في عقد المعاملة واحدا أو أكثر حتى لو دفع رجل نخله إلى رجلين معاملة بالنصف أو بالثلث جاز وسواء سوى بينهما في الاستحقاق أو جعل لأحدهما فضلا ; لأن كل واحد منهما أجير صاحب الأرض فكان استحقاق كل واحد منهما بالشرط فيتقدر بقدر الشرط .

ولو شرط لأحد العاملين مائة درهم على رب الأرض والآخر ثلث الخارج ولرب الأرض الثلثان جاز ; لأن الواجب لكل واحد منهما أجرة مشروطة فيجب على حسب ما يقتضيه الشرط ولو [ ص: 187 ] شرطا لصاحب النخل الثلث ولأحد العاملين الثلثين وللآخر أجر مائة درهم على العامل الذي شرط له الثلثان فهو فاسد ولا يشبه هذا المزارعة إن من دفع الأرض مزارعة على أن لرب الأرض الثلث وللزارع الثلثان على أن يعمل فلان معه بثلث الخارج أن المزارعة جائزة بين رب الأرض والمزارع فاسدة في حق الثالث ; لأن المعاملة استئجار العامل ، والأجرة تجب على المستأجر دون الأجير بمقابلة العمل .

والعمل للمستأجر فكانت الأجرة عليه فإذا اشترطها على الأجير فقد استأجره ليعمل له على أن تكون الأجرة على غيره ولا سبيل إليه ففسد العقد ، وهذا هو الموجب للفساد في حق الثالث في باب المزارعة لا أنه صح فيما بين صاحب الأرض والمزارع ; لأنه جعل بمنزلة عقدين ففساد أحدهما لا يوجب فساد الآخر وهذا مع هذا التكلف غير واضح ويتضح إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية