بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ولو وجد قتيل في سفينة ، فإن لم يكن معهم ركاب - فالقسامة والدية على أرباب السفينة ، وعلى من يمدها ممن يملكها أو لا يملكها ، وإن كان معهم فيها ركاب فعليهم جميعا ، وهذا في الظاهر يؤيد قول أبي يوسف في إيجابه القسامة والدية على الملاك والسكان جميعا ، وأبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله - يفرقان بين السفينة والمحلة ; لأن السفينة تنقل وتحول من مكان إلى مكان فتعتبر فيها اليد دون الملك كالدابة إذا وجد عليها قتيل ، بخلاف الدار فإنها لا تحتمل النقل والتحويل ، فيعتبر فيها الملك والتحويل ما أمكن لا اليد .

وكذلك العجلة حكمها حكم السفينة ; لأنها تنقل وتحول ، ولو وجد القتيل معه رجل يحمله على ظهره فعليه القسامة والدية ; لأن القتيل في يده ، ولو وجد جريح معه به رمق يحمله حتى أتى به أهله فمكث يوما أو يومين ثم مات لا يضمن عند أبي يوسف .

وقال أبو يوسف : وفي قياس قول أبي حنيفة رضي الله عنه يضمن .

( وجه ) القياس : أن الحامل قد ثبتت يده عليه مجروحا فإذا مات من الجرح فكأنه مات في يده وهذا تفريع على من جرح في قبيلة فتحامل إلى قبيلة أخرى [ ص: 292 ] فمات فيهم ، وقد ذكرناه فيما تقدم .

وكذلك إذا كان على دابة ، ولها سائق أو قائد أو عليها راكب - فعليه القسامة والدية ; لأنه في يده ، وإن اجتمع السائق والقائد والراكب - فعليهم جميعا ; لأن القتيل في أيديهم ، فصار كأنه وجد في دارهم ، وإن وجد على دابة لا سائق لها ولا قائد ولا راكب عليها ، فإن كان ذلك الموضع ملكا لأحد فالقسامة والدية على المالك ، وإن كان لا مالك له فعلى أقرب المواضع إليه من حيث يسمع الصوت من الأمصار والقرى ، وإن كان بحيث لا يسمع - فهو هدر لما قلنا فيما تقدم ، فإن وجدت الدابة في محلة - فعلى أهل تلك المحلة .

وكذلك إذا وجد في فلاة من الأرض أنه ينظر إن كان ذلك المكان الذي وجد فيه ملكا لإنسان - فالقسامة والدية عليه ، وإن لم يكن له مالك فعلى أقرب المواضع إليه من الأمصار والقرى ، إذا كانت بحيث يبلغ الصوت منها إليه ، فإن كان بحيث لا يبلغ - فهو هدر لما قلنا ، وذكر في الأصل في قتيل وجد بين قريتين أنه يضاف إلى أقربهما لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن { النبي عليه الصلاة والسلام أمر بأن يوزع بين قريتين في قتيل وجد بينهما } وكذا روي عن سيدنا عمر رضي الله عنه في قتيل وجد بين وداعة وأرحب ، وكتب إليه عامله بذلك ، فكتب إليه سيدنا عمر رضي الله عنه أن قس بين القريتين فأيهما كان أقرب فألزمهم فوجد القتيل إلى وداعة أقرب فألزموا القسامة والدية ، وذلك كله محمول على ما إذا كان بحيث يبلغ الصوت إلى الموضع الذي وجد فيه القتيل ، كذا ذكر محمد في الأصل حكاه الكرخي - رحمه الله - والفقه ما ذكرنا فيما تقدم .

وكذا إذا وجد بين سكتين - فالقسامة والدية على أقربهما ، فإن وجد في المعسكر في فلاة من الأرض ، فإن كانت الأرض التي وجد فيها لها أرباب - فالقسامة والدية على أرباب الأرض ; لأنهم أخص بنصرة الموضع وحفظه ، فكانوا أولى بإيجاب القسامة والدية عليهم ، وهذا على أصلهما ; لأن المعسكر كالسكان ، والقسامة على الملاك لا على السكان على أصلهما ( فأما ) على أصل أبي يوسف - رحمه الله - فالقسامة والدية عليهم جميعا ، وإن يكن في ملك أحد بأن وجد في خباء أو فسطاط - فعلى من يسكن الخباء والفسطاط ، وعلى عواقلهم القسامة والدية ; لأن صاحب الخيمة خص بموضع الخيمة من أهل العسكر بمنزلة صاحب الدار مع أهل المحلة ثم القسامة على صاحب الدار إذا وجد فيها قتيل لا على أهل المحلة ، كذا ههنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية