الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو وجد قتيل في سفينة ، فإن لم يكن معهم ركاب - فالقسامة والدية على أرباب السفينة ، وعلى من يمدها ممن يملكها أو لا يملكها ، وإن كان معهم فيها ركاب فعليهم جميعا ، وهذا في الظاهر يؤيد قول أبي يوسف في إيجابه القسامة والدية على الملاك والسكان جميعا ، وأبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله - يفرقان بين السفينة والمحلة ; لأن السفينة تنقل وتحول من مكان إلى مكان فتعتبر فيها اليد دون الملك كالدابة إذا وجد عليها قتيل ، بخلاف الدار فإنها لا تحتمل النقل والتحويل ، فيعتبر فيها الملك والتحويل ما أمكن لا اليد .

                                                                                                                                وكذلك العجلة حكمها حكم السفينة ; لأنها تنقل وتحول ، ولو وجد القتيل معه رجل يحمله على ظهره فعليه القسامة والدية ; لأن القتيل في يده ، ولو وجد جريح معه به رمق يحمله حتى أتى به أهله فمكث يوما أو يومين ثم مات لا يضمن عند أبي يوسف .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف : وفي قياس قول أبي حنيفة رضي الله عنه يضمن .

                                                                                                                                ( وجه ) القياس : أن الحامل قد ثبتت يده عليه مجروحا فإذا مات من الجرح فكأنه مات في يده وهذا تفريع على من جرح في قبيلة فتحامل إلى قبيلة أخرى [ ص: 292 ] فمات فيهم ، وقد ذكرناه فيما تقدم .

                                                                                                                                وكذلك إذا كان على دابة ، ولها سائق أو قائد أو عليها راكب - فعليه القسامة والدية ; لأنه في يده ، وإن اجتمع السائق والقائد والراكب - فعليهم جميعا ; لأن القتيل في أيديهم ، فصار كأنه وجد في دارهم ، وإن وجد على دابة لا سائق لها ولا قائد ولا راكب عليها ، فإن كان ذلك الموضع ملكا لأحد فالقسامة والدية على المالك ، وإن كان لا مالك له فعلى أقرب المواضع إليه من حيث يسمع الصوت من الأمصار والقرى ، وإن كان بحيث لا يسمع - فهو هدر لما قلنا فيما تقدم ، فإن وجدت الدابة في محلة - فعلى أهل تلك المحلة .

                                                                                                                                وكذلك إذا وجد في فلاة من الأرض أنه ينظر إن كان ذلك المكان الذي وجد فيه ملكا لإنسان - فالقسامة والدية عليه ، وإن لم يكن له مالك فعلى أقرب المواضع إليه من الأمصار والقرى ، إذا كانت بحيث يبلغ الصوت منها إليه ، فإن كان بحيث لا يبلغ - فهو هدر لما قلنا ، وذكر في الأصل في قتيل وجد بين قريتين أنه يضاف إلى أقربهما لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن { النبي عليه الصلاة والسلام أمر بأن يوزع بين قريتين في قتيل وجد بينهما } وكذا روي عن سيدنا عمر رضي الله عنه في قتيل وجد بين وداعة وأرحب ، وكتب إليه عامله بذلك ، فكتب إليه سيدنا عمر رضي الله عنه أن قس بين القريتين فأيهما كان أقرب فألزمهم فوجد القتيل إلى وداعة أقرب فألزموا القسامة والدية ، وذلك كله محمول على ما إذا كان بحيث يبلغ الصوت إلى الموضع الذي وجد فيه القتيل ، كذا ذكر محمد في الأصل حكاه الكرخي - رحمه الله - والفقه ما ذكرنا فيما تقدم .

                                                                                                                                وكذا إذا وجد بين سكتين - فالقسامة والدية على أقربهما ، فإن وجد في المعسكر في فلاة من الأرض ، فإن كانت الأرض التي وجد فيها لها أرباب - فالقسامة والدية على أرباب الأرض ; لأنهم أخص بنصرة الموضع وحفظه ، فكانوا أولى بإيجاب القسامة والدية عليهم ، وهذا على أصلهما ; لأن المعسكر كالسكان ، والقسامة على الملاك لا على السكان على أصلهما ( فأما ) على أصل أبي يوسف - رحمه الله - فالقسامة والدية عليهم جميعا ، وإن يكن في ملك أحد بأن وجد في خباء أو فسطاط - فعلى من يسكن الخباء والفسطاط ، وعلى عواقلهم القسامة والدية ; لأن صاحب الخيمة خص بموضع الخيمة من أهل العسكر بمنزلة صاحب الدار مع أهل المحلة ثم القسامة على صاحب الدار إذا وجد فيها قتيل لا على أهل المحلة ، كذا ههنا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية