بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( فصل ) :

وأما بيان ما يعرف به أنه ذكر ، أو أنثى ، فإنما يعرف ذلك بالعلامة ، وعلامة الذكورة بعد البلوغ نبات اللحية ، وإمكان الوصول إلى النساء وعلامة الأنوثة في الكبر نهود ثديين كثديي المرأة ونزول اللبن في ثدييه والحيض والحبل ، وإمكان الوصول إليها من فرجها ; لأن كل واحد مما ذكرنا يختص بالذكورة والأنوثة فكانت علامة صالحة للفصل بين الذكر والأنثى .

وأما العلامة في حالة الصغر فالمبال ، لقوله عليه الصلاة والسلام { الخنثى من حيث يبول } ، فإن كان يبول من مبال الذكور فهو ذكر ، وإن كان يبول من مبال النساء فهو أنثى " وإن كان يبول منهما جميعا يحكم السبق ; لأن سبق البول من أحدهما يدل على أنه هو المخرج الأصلي وأن الخروج من الآخر بطريق الانحراف عنه .

وإن كان لا يسبق [ ص: 328 ] أحدهما الآخر فتوقف أبو حنيفة رضي الله عنه .

وقال : هو خنثى مشكل ، وهذا من كمال فقه أبي حنيفة رضي الله عنه ; لأن التوقف عند عدم الدليل واجب .

وقال أبو يوسف ومحمد : تحكم الكثرة ; لأنها في الدلالة على المخرج الأصلي كالسبق فيجوز تحكيمه .

ووجه قول أبي حنيفة - عليه الرحمة - أن كثرة البول وقلته لسعة المحل وضيقه فلا يصلح للفصل بين الذكورة والأنوثة ، بخلاف السبق ، وحكي أنه لما بلغ أبا حنيفة قول أبي يوسف في تحكيم الكثرة لم يرض به ، وقال : هل رأيت حاكما يزن البول ، فإن استويا توقفا أيضا ، وقالا هو خنثى مشكل ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية