بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
وأما الكلام في كمية الكفن .

فنقول : أكثر ما يكفن فيه الرجل ثلاثة أثواب : إزار ، ورداء ، وقميص وهذا عندنا ، وقال الشافعي : لا يسن القميص في الكفن ، وإنما الكفن ثلاث لفائف ، واحتج بما روي عن عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة } ولنا ما روي عن { عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أنه قال : كفنوني في قميصي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في قميصه الذي توفي فيه } ، وهكذا روي عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب : أحدها القميص الذي توفي فيه } والأخذ برواية ابن عباس أولى من الأخذ بحديث عائشة ; لأن ابن عباس حضر تكفين رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه وعائشة ما حضرت ذلك على أن معنى قولها : ليس فيه قميص أي : لم يتخذ قميصا جديدا .

وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : " كفن المرأة خمسة أثواب ، وكفن الرجل ثلاثة ، " ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " ; ولأن حال ما بعد الموت يعتبر بحال حياته ، والرجل في حال حياته يخرج في ثلاثة أثواب عادة : قميص ، وسراويل ، وعمامة ، فالإزار بعد الموت قائم مقام السراويل في حال الحياة ; لأنه في حال حياته إنما كان يلبس السراويل لئلا تنكشف عورته عند المشي ، وذلك غير محتاج إليه بعد موته فأقيم الإزار مقامه ، ولذا لم يذكر العمامة في الكفن ، وقد كرهه بعض مشايخنا ; لأنه لو فعل ذلك لصار الكفن شفعا ، والسنة فيه أن يكون وترا ، واستحسنه بعض مشايخنا لحديث ابن عمر أنه كان يعمم الميت ويجعل ذنب العمامة على وجهه ، بخلاف حال الحياة فإنه يرسل ذنب العمامة من قبل القفا ; لأن ذلك لمعنى الزينة ، وقد انقطع ذلك بالموت ، والدليل على أن السنة في حق الرجل ثلاثة أثواب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه كفن في برد وحلة } والحلة اسم للزوج من الثياب ، والبرد اسم للفرد منها وأدنى ما يكفن فيه في حالة الاختيار [ ص: 307 ] ثوبان : إزار ورداء لقول الصديق : كفنوني في ثوبي هذين ; ولأن أدنى ما يلبسه الرجل في حال حياته ثوبان ، ألا ترى أنه يجوز له أن يخرج فيهما ويصلي فيهما من غير كراهة ، فكذا يجوز أن يكفن فيهما أيضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية