بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( فصل ) :

وأما كيفية التكفين فينبغي أن تجمر الأكفان أولا وترا أي : مرة ، أو ثلاثا ، أو خمسا ولا يزيد عليه لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { : إذا أجمرتم الميت فأجمروه وترا } ; ولأن الثوب الجديد أو الغسيل مما يطيب ويجمر في حالة الحياة ، فكذا بعد الممات ، والوتر مندوب إليه في ذلك لقوله : صلى الله عليه وسلم { إن الله تعالى وتر يحب [ ص: 308 ] الوتر } ثم تبسط اللفافة وهي الرداء طولا ، ثم يبسط الإزار عليها طولا ثم يلبسه القميص إن كان له قميص وإن لم يكن سرواله ; لأن اللبس بعد الوفاة معتبر بحال الحياة إلا أن في حياته كان يلبس السراويل حتى لا تنكشف عورته عند المشي ، ولا حاجة إلى ذلك بعد موته فأقيم الإزار مقام السراويل ، إلا أن الإزار في حال حياته تحت القميص وبعد الموت فوق القميص من المنكب إلى القدم ; لأن الإزار تحت القميص حالة الحياة ليتيسر عليه المشي وبعد الموت لا يحتاج إلى المشي ، ثم يوضع الحنوط في رأسه ولحيته .

لما روي أن آدم - صلوات الله وسلامه عليه - لما توفي غسلته الملائكة وحنطوه ويوضع الكافور على مساجده يعني جبهته وأنفه ويديه وركبتيه وقدميه لما روي عن ابن مسعود أنه قال : وتتبع مساجده بالطيب يعني بالكافور ; ولأن تعظيم الميت واجب ومن تعظيمه أن يطيب لئلا تجيء منه رائحة منتنة وليصان عن سرعة الفساد ، وأولى المواضع بالتعظيم مواضع السجود ، وكذا الرأس واللحية هما من أشرف الأعضاء ; لأن الرأس موضع الدماغ ، ومجمع الحواس ، واللحية من الوجه ، والوجه من أشرف الأعضاء ، وعن زفر أنه قال : يذر الكافور على عينيه وأنفه وفمه ; لأن المقصود أن يتباعد الدود من الموضع الذي يذر عليه الكافور فخص هذه المحال من بدنه لهذا ، وإن لم يجد ذلك لم يضره ولا بأس بسائر الطيب غير الزعفران والورس في حق الرجل لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { نهى الرجال عن المزعفر } ولم يذكر في الأصل أنه هل تحشى محارقه ؟ وقالوا : إن خشي خروج شيء يلوث الأكفان فلا بأس بذلك في أنفه وفمه ، وقد جوز الشافعي في دبره أيضا ، واستقبح ذلك مشايخنا وإن لم يخش جاز الترك ; لانعدام الحاجة إليه ، ثم يعطف الإزار عليه من قبل شقه الأيسر وإن كان الإزار طويلا حتى يعطف على رأسه وسائر جسده فهو أولى ، ثم يعطف من قبل شقه الأيمن كذلك فيكون الأيمن فوق الأيسر ، ثم تعطف اللفافة ، وهي الرداء كذلك ; لأن المنتقب في حالة الحياة هكذا يفعل إذا تحزم بدأ بعطف شقه الأيسر على الأيمن ثم يعطف الأيمن على الأيسر فكذا يفعل به بعد الممات ، فإن خيف أن تنتشر أكفانه تعقد ، ولكن إذا وضع في قبره تحل العقد لزوال ما لأجله عقد والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية