صفحة جزء
( باب الكاف مع الفاء )

( كفأ ) ‏‏ ( ‏ه‏ ) ‏فيه : المسلمون تتكافأ دماؤهم أي : تتساوى في القصاص والديات .

والكفء‏ : ‏النظير والمساوي‏ ، ‏ومنه الكفاءة في النكاح ، وهو أن يكون الزوج مساويا للمرأة في حسبها ودينها ونسبها وبيتها ، وغير ذلك .

‏ ( ‏هـ ‏ ) ‏ومنه الحديث : كان لا يقبل الثناء إلا من مكافئ قال القتيبي‏ : ‏معناه إذا أنعم على رجل نعمة فكافأه بالثناء عليه قبل ثناءه ، وإذا أثنى عليه قبل أن ينعم عليه لم يقبلها .

وقال ابن الأنباري‏ : ‏هذا غلط ، إذ كان أحد لا ينفك من إنعام النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الله بعثه رحمة للناس كافة ، فلا يخرج منها مكافئ ولا غير مكافئ‏ . ‏والثناء عليه فرض لا يتم الإسلام إلا به‏ ، ‏وإنما المعنى‏ : ‏لا يقبل الثناء عليه إلا من رجل يعرف حقيقة [ ص: 181 ] إسلامه ، ولا يدخل في جملة المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم‏ ، ‏وقال الأزهري‏ : ‏وفيه قول ثالث ، إلا من مكافئ ؛ ‏أي : من مقارب غير مجاوز حد مثله ولا مقصر عما رفعه‏ الله إليه‏ .

( هـ ) وفي حديث العقيقة : عن الغلام شاتان مكافئتان يعني : متساويتين في السن ؛ ‏أي : لا يعق عنه إلا بمسنة ، وأقله أن يكون جذعا كما يجزئ في الضحايا .

وقيل‏ : ‏مكافئتان‏ ؛ ‏أي : مستويتان أو متقاربتان‏ ، ‏واختار الخطابي الأول .

واللفظة " مكافئتان " بكسر الفاء‏ ، ‏يقال : ‏كافأه يكافئه فهو مكافئه‏ ؛ ‏أي : مساويه .

قال‏ : ‏والمحدثون يقولون‏ : ‏ " مكافأتان " بالفتح ، وأرى الفتح أولى ؛ لأنه يريد شاتين قد سوي بينهما ، أو مساوى بينهما ، وأما بالكسر فمعناه أنهما متساويتان ، فيحتاج أن يذكر أي شيء ساويا ، وإنما لو قال " متكافئتان " كان الكسر أولى‏ .

قال الزمخشري‏ : ‏‏لا فرق بين المكافئتين والمكافأتين ؛ لأن كل واحدة إذا كافأت أختها فقد كوفئت ، فهي مكافئة ومكافأة .

أو يكون معناه‏ : ‏معادلتان لما يجب في الزكاة والأضحية من الأسنان‏ ، ‏ويحتمل مع الفتح أن يراد مذبوحتان ، من كافأ الرجل بين بعيرين ، إذا نحر هذا ثم هذا معا من غير تفريق ، كأنه يريد شاتين يذبحهما في وقت واحد .

وفي شعر حسان‏ :


وروح القدس ليس له كفاء

أي : جبريل ليس له نظير ولا مثل .

[ ص: 182 ] ومنه الحديث : فنظر إليهم فقال : من يكافئ هؤلاء ؟ ‏ .

‏ ( ‏س‏ ) ‏ وحديث الأحنف : " لا أقاوم من لا كفاء له " يعني : الشيطان‏ ، ‏ويروى : " لا أقاول " .

‏ [ ‏هـ ] ‏وفيه : لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في إنائها هو تفتعل ، من كفأت القدر ، إذا كببتها لتفرغ ما فيها ، ‏يقال : ‏كفأت الإناء وأكفأته إذا كببته ، وإذا أملته .

وهذا تمثيل لإمالة الضرة حق صاحبتها من زوجها إلى نفسها إذا سألت طلاقها .

‏ ( هـ ) ومنه حديث الهرة : " أنه كان يكفئ لها الإناء " ؛ أي : يميله لتشرب منه بسهولة .

‏ ( ‏س‏ ) ‏وحديث الفرعة : " خير من أن تذبحه يلصق لحمه بوبره ، وتكفئ إناءك وتوله ناقتك " أي : تكب إناءك ؛ لأنه لا يبقى لك لبن تحلبه فيه .

‏ ( ‏س‏ ) ‏وحديث الصراط : آخر من يمر رجل يتكفأ به الصراط أي : يتميل وينقلب .

ومنه حديث ‏ [ ‏دعاء‏ ] ‏الطعام : " غير مكفأ ولا مودع ربنا " أي : غير مردود ولا مقلوب ، ‏والضمير راجع إلى الطعام .

وقيل‏ : ‏ " مكفي " من الكفاية ، فيكون من المعتل‏ ، ‏يعني : أن الله هو المطعم والكافي ، وهو غير مطعم ولا مكفي ، فيكون الضمير راجعا إلى الله‏ ، ‏وقوله " ولا مودع " أي : غير متروك الطلب إليه والرغبة فيما عنده .

وأما قوله : " ربنا " فيكون على الأول منصوبا على النداء المضاف بحذف حرف النداء ، وعلى الثاني مرفوعا على الابتداء ؛ أي : ربنا غير مكفي ولا مودع .

ويجوز أن يكون الكلام راجعا إلى الحمد ، كأنه قال‏ : ‏حمدا كثيرا مباركا فيه ، غير مكفي ولا مودع ، ولا مستغنى عنه ؛ أي : عن الحمد .

[ ص: 183 ] وفي حديث الضحية : ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما أي مال ورجع‏ .

ومنه الحديث " فأضع السيف في بطنه ثم أنكفئ عليه " ‏ .

وفي حديث القيامة : وتكون الأرض خبزة واحدة ، يكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر ‏ .

وفي رواية : يتكفؤها ، يريد الخبزة التي يصنعها المسافر ويضعها في الملة ، فإنها لا تبسط كالرقاقة ، وإنما تقلب على الأيدي حتى تستوي‏ .

‏ [ ‏هـ ] ‏وفي صفة مشيه عليه الصلاة والسلام : كان إذا مشى تكفى تكفيا أي : تمايل إلى قدام ، هكذا روي غير مهموز ، والأصل الهمز ، وبعضهم يرويه مهموزا ؛ لأن مصدر تفعل من الصحيح تفعل ، كتقدم تقدما وتكفأ تكفأ ، والهمزة حرف صحيح ، فأما إذا اعتل انكسرت عين المستقبل منه ، نحو : ‏تحفى تحفيا ، وتسمى تسميا ، فإذا خففت الهمزة التحقت بالمعتل ، وصار تكفيا ، بالكسر .

‏ ( هـ ) وفي حديث أبي ذر : " ولنا عباءتان نكافئ بهما عين الشمس " أي : ندافع ، من المكافأة‏ : ‏المقاومة .

‏ ( ‏س‏ ) ‏وفي حديث أم معبد : رأى شاة في كفاء البيت هو شقة أو شقتان تخاط إحداهما بالأخرى ، ثم تجعل في مؤخر البيت ، والجمع‏ : ‏أكفئة ، كحمار ، وأحمرة .

‏ ( هـ ) وفي حديث عمر : " أنه انكفأ لونه عام الرمادة " أي : تغير عن حاله .

‏ ( ‏س‏ ) ‏ومنه حديث الأنصاري : " ما لي أرى لونك منكفئا ؟ قال : من الجوع " .

‏ ( هـ ) وفيه : " أن رجلا اشترى معدنا بمائة شاة متبع ، فقالت له أمه : إنك اشتريت ثلاثمائة شاة أمهاتها مائة ، وأولادها مائة ، وكفأتها مائة " أصل الكفأة في الإبل‏ : ‏أن تجعل قطعتين يراوح بينهما فيقال : ‏أعطني كفأة ناقتك وكفأتها ؛ ‏أي : نتاجها ، ‏وأكفأت إبلي كفأتين ، إذا جعلتها نصفين ينتج كل عام نصفها ‏ويترك نصفها ، وهو أفضل النتاج ، كما يفعل بالأرض للزراعة .

[ ص: 184 ] ويقال : ‏وهبت له كفأة ناقتي‏ ؛ ‏أي : وهبت له لبنها وولدها ووبرها سنة .

قال الأزهري‏ : ‏جعلت كفأة مائة نتاج ، في كل نتاج مائة ؛ لأن الغنم لا تجعل قطعتين ، ولكن ينزى عليها جميعا وتحمل جميعا ، ولو كانت إبلا كانت كفأة مائة من الإبل خمسين .

‏ ( ‏س‏ ) ‏وفي حديث النابغة : " أنه كان يكفئ في شعره " الإكفاء في الشعر : ‏أن يخالف بين حركات الروي رفعا ونصبا وجرا ، وهو كالإقواء .

وقيل‏ : ‏هو أن يخالف بين قوافيه ، فلا يلزم حرفا واحدا‏ .

التالي السابق


الخدمات العلمية