صفحة جزء
[ رحم ]

رحم : الرحمة : الرقة والتعطف ، والمرحمة مثله ، وقد رحمته وترحمت عليه . وتراحم القوم : رحم بعضهم بعضا . والرحمة : المغفرة ، وقوله تعالى في وصف القرآن : هدى ورحمة لقوم يؤمنون أي : فصلناه هاديا وذا رحمة ، وقوله تعالى : ورحمة للذين آمنوا منكم أي : هو رحمة ; لأنه كان سبب إيمانهم ، رحمه رحما ورحما ورحمة ورحمة ، حكى الأخيرة سيبويه ومرحمة . وقال الله - عز وجل - : وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أي : أوصى بعضهم بعضا برحمة الضعيف والتعطف عليه وترحمت عليه أي : قلت رحمة الله عليه . وقوله تعالى : إن رحمت الله قريب من المحسنين فإنما ذكر على النسب وكأنه اكتفى بذكر الرحمة عن الهاء ، وقيل : إنما ذلك ; لأنه تأنيث غير حقيقي والاسم الرحمى ، قال الأزهري : التاء في قوله ( عز وجل ) : ( إن رحمت ) أصلها هاء وإن كتبت تاء . الأزهري : قال عكرمة في قوله ( عز وجل ) : ابتغاء رحمة من ربك ترجوها : أي : رزق ، ولئن أذقناه رحمة ثم نزعناها منه : أي : رزقا وما أرسلناك إلا رحمة : أي : عطفا وصنعا ، وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء : أي : حيا وخصبا بعد مجاعة ، وأراد بالناس الكافرين . والرحموت : من الرحمة . وفي المثل : رهبوت خير من رحموت أي : لأن ترهب خير من أن ترحم ، لم يستعمل على هذه الصيغة إلا مزوجا . وترحم عليه : دعا له بالرحمة . واسترحمه : سأله الرحمة ، ورجل مرحوم ومرحم شدد للمبالغة . وقوله . تعالى : وأدخلناه في رحمتنا قال ابن جني : هذا [ ص: 125 ] مجاز وفيه من الأوصاف ثلاثة : السعة والتشبيه والتوكيد ، أما السعة فلأنه كأنه زاد في أسماء الجهات والمحال اسم هو الرحمة ، وأما التشبيه فلأنه شبه الرحمة وإن لم يصح الدخول فيها بما يجوز الدخول فيه فلذلك وضعها موضعه ، وأما التوكيد فلأنه أخبر عن العرض بما يخبر به عن الجوهر ، وهذا تغال بالعرض وتفخيم منه إذا صير إلى حيز ما يشاهد ويلمس ويعاين ، ألا ترى إلى قول بعضهم في الترغيب في الجميل : ولو رأيتم المعروف رجلا لرأيتموه حسنا جميلا ؟ كقول الشاعر :


ولم أر كالمعروف أما مذاقه فحلو وأما وجهه فجميل



فجعل له مذاقا وجوهرا ، وهذا إنما يكون في الجواهر ، وإنما يرغب فيه وينبه عليه ويعظم من قدره بأن يصوره في النفس على أشرف أحواله وأنوه صفاته ، وذلك بأن يتخير شخصا مجسما لا عرضا متوهما . وقوله تعالى : والله يختص برحمته من يشاء معناه يختص بنبوته من يشاء ممن أخبر - عز وجل - أنه مصطفى مختار . والله الرحمن الرحيم : بنيت الصفة الأولى على فعلان ; لأن معناه الكثرة ، وذلك لأن رحمته وسعت كل شيء وهو أرحم الراحمين ، فأما الرحيم فإنما ذكر بعد الرحمن لأن الرحمن مقصور على الله - عز وجل - والرحيم قد يكون لغيره ، قال الفارسي : إنما قيل بسم الله الرحمن الرحيم فجيء بالرحيم بعد استغراق الرحمن معنى الرحمة لتخصيص المؤمنين به في قوله تعالى : وكان بالمؤمنين رحيما كما قال : اقرأ باسم ربك الذي خلق ثم قال : خلق الإنسان من علق فخص بعد أن عم لما في الإنسان من وجوه الصناعة ووجوه الحكمة ، ونحوه كثير ، قال الزجاج : الرحمن اسم من أسماء الله - عز وجل - مذكور في الكتب الأول ، ولم يكونوا يعرفونه من أسماء الله ، قال أبو الحسن : أراه يعني أصحاب الكتب الأول ومعناه عند أهل اللغة ذو الرحمة التي لا غاية بعدها في الرحمة ; لأن فعلان بناء من أبنية المبالغة ، ورحيم فعيل بمعنى فاعل كما قالوا سميع بمعنى سامع وقدير بمعنى قادر ، وكذلك رجل رحوم وامرأة رحوم ، قال الأزهري ولا يجوز أن يقال رحمن إلا - لله عز وجل - وفعلان من أبنية ما يبالغ في وصفه ، فالرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء ، فلا يجوز أن يقال رحمن لغير الله ، وحكى الأزهري عن أبي العباس في قوله : الرحمن الرحيم : جمع بينهما لأن الرحمن عبراني والرحيم عربي ، وأنشد لجرير :


لن تدركوا المجد أو تشروا عباءكم     بالخز أو تجعلوا الينبوت ضمرانا
أو تتركون إلى القسين هجرتكم     ومسحكم صلبهم رحمان قربانا ؟



وقال ابن عباس : هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر ، فالرحمن الرقيق والرحيم العاطف على خلقه بالرزق ، وقال الحسن : الرحمن اسم ممتنع لا يسمى غير الله به ، وقد يقال رجل رحيم . الجوهري : الرحمن الرحيم اسمان مشتقان من الرحمة ، ونظيرهما في اللغة نديم وندمان ، وهما بمعنى ويجوز تكرير الاسمين إذا اختلف اشتقاقهما على جهة التوكيد كما يقال فلان جاد مجد ، إلا أن الرحمن اسم مختص لله تعالى لا يجوز أن يسمى به غيره ولا يوصف ، ألا ترى أنه قال : قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن فعادل به الاسم الذي لا يشركه فيه غيره ، وهما من أبنية المبالغة ، ورحمن أبلغ من رحيم والرحيم يوصف به غير الله تعالى ، فيقال رجل رحيم ولا يقال رحمن ، وكان مسيلمة الكذاب يقال له رحمان اليمامة والرحيم قد يكون بمعنى المرحوم ، قال عملس بن عقيل :


فأما إذا عضت بك الحرب عضة     فإنك معطوف عليك رحيم



والرحمة في بني آدم عند العرب : رقة القلب وعطفه ورحمة الله : عطفه وإحسانه ورزقه . والرحم ، بالضم : الرحمة . وما أقرب رحم فلان إذا كان ذا مرحمة وبر أي : ما أرحمه وأبره . وفي التنزيل : وأقرب رحما وقرئت : رحما ، الأزهري : يقول أبر بالوالدين من القتيل الذي قتله الخضر ، وكان الأبوان مسلمين والابن كافرا ، فولد لهما بعد بنت فولدت نبيا ، وأنشد الليث :


أحنى وأرحم من أم بواحدها     رحما وأشجع من ذي لبدة ضاري



وقال أبو إسحاق في قوله : وأقرب رحما أي : أقرب عطفا وأمس بالقرابة . والرحم والرحم في اللغة : العطف والرحمة ، وأنشد :


فلا ومنزل الفرقا     ن ما لك عندها ظلم
وكيف بظلم جارية     ومنها اللين والرحم



وقال العجاج :


ولم تعوج رحم من تعوجا



وقال رؤبة :


يا منزل الرحم على إدريس



وقرأ أبو عمرو بن العلاء : ( وأقرب رحما ) ، بالتثقيل ، واحتج بقول زهير يمدح هرم بن سنان :


ومن ضريبته التقوى ويعصمه     من سيئ العثرات الله والرحم



وهو مثل عسر وعسر . وأم رحم وأم الرحم : مكة وفي حديث مكة : هي أم رحم أي : أصل الرحمة . والمرحومة : من أسماء مدينة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذهبون بذلك إلى مؤمني أهلها . وسمى الله الغيث رحمة ; لأنه برحمته ينزل من السماء . وقوله تعالى حكاية عن ذي القرنين : هذا رحمة من ربي أراد هذا التمكين الذي قال ما مكني فيه ربي خير ، أراد وهذا التمكين الذي آتاني الله حتى أحكمت السد رحمة من ربي . والرحم : رحم الأنثى ، وهي مؤنثة قال ابن بري : شاهد تأنيث الرحم قولهم رحم معقومة ، وقول ابن الرقاع :


حرف تشذر عن ريان منغمس [ ص: 126 ]     مستحقب رزأته رحمها الجملا



ابن سيده : الرحم والرحم بيت منبت الولد ووعاؤه في البطن ، قال عبيد :


أعاقر كذات رحم     أم غانم كمن يخيب ؟



قال : كان ينبغي أن يعادل بقوله ذات رحم نقيضتها فيقول أغير ذات رحم كذات رحم ، قال : وهكذا أراد لا محالة ولكنه جاء بالبيت على المسألة ، وذلك أنها لما لم تكن العاقر ولودا صارت ، وإن كانت ذات رحم ، كأنها لا رحم لها فكأنه قال : أغير ذات رحم كذات رحم ، والجمع أرحام ، لا يكسر على غير ذلك . وامرأة رحوم إذا اشتكت بعد الولادة رحمها ، ولم يقيده في المحكم بالولادة . ابن الأعرابي : الرحم خروج الرحم من علة ، والجمع رحم ، وقد رحمت رحما ورحمت رحما ، وكذلك العنز ، وكل ذات رحم ترحم ، وناقة رحوم كذلك ، وقال اللحياني : هي التي تشتكي رحمها بعد الولادة فتموت ، وقد رحمت رحامة ورحمت رحما وهي رحمة ، وقيل : هو داء يأخذها في رحمها فلا تقبل اللقاح وقال اللحياني : الرحام أن تلد الشاة ثم لا يسقط سلاها . وشاة راحم : وارمة الرحم ، وعنز راحم . ويقال : أعيا من يد في رحم ، يعني الصبي ; قال ابن سيده : هذا تفسير ثعلب . والرحم : أسباب القرابة ; وأصلها الرحم التي هي منبت الولد ، وهي الرحم الجوهري : الرحم القرابة ، والرحم ، بالكسر ، مثله ; قال الأعشى :


إما لطالب نعمة يممتها     ووصال رحم قد بردت بلالها



قال ابن بري : ومثله لقيل بن عمرو بن الهجيم :


وذي نسب ناء بعيد وصلته     وذي رحم بللتها ببلالها



قال : وبهذا البيت سمي بليلا ; وأنشد ابن سيده :


خذوا حذركم يا آل عكرم واذكروا     أواصرنا والرحم بالغيب تذكر



وذهب سيبويه إلى أن هذا مطرد في كل ما كان ثانيه من حروف الحلق ، بكرية ، والجمع منهما أرحام . وفي الحديث : من ملك ذا رحم محرم فهو حر ; قال ابن الأثير : ذوو الرحم هم الأقارب ، ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نسب ، ويطلق في الفرائض على الأقارب من جهة النساء ، يقال : ذو رحم محرم ومحرم ، وهو من لا يحل نكاحه كالأم والبنت والأخت والعمة والخالة ، والذي ذهب إليه أكثر العلماء من الصحابة والتابعين وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد أن من ملك ذا رحم محرم عتق عليه ، ذكرا كان أو أنثى ، قال : وذهب الشافعي وغيره من الأئمة والصحابة والتابعين إلى أنه يعتق عليه الأولاد والآباء والأمهات ولا يعتق عليه غيرهم من ذوي قرابته ، وذهب مالك إلى أنه يعتق عليه الولد والوالدان والإخوة ولا يعتق غيرهم . وفي الحديث : ثلاث ينقص بهن العبد في الدنيا ويدرك بهن في الآخرة ما هو أعظم من ذلك : الرحم والحياء وعي اللسان ; الرحم ، بالضم : الرحمة يقال : رحم رحما ، ويريد بالنقصان ما ينال المرء بقسوة القلب ، ووقاحة الوجه وبسطة اللسان التي هي أضداد تلك الخصال من الزيادة في الدنيا وقالوا : جزاك الله خيرا والرحم والرحم - بالرفع والنصب - وجزاك الله شرا والقطيعة - بالنصب - لا غير . وفي الحديث : إن الرحم شجنة معلقة بالعرش تقول : اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني . الأزهري : الرحم القرابة تجمع بني أب . وبينهما رحم أي : قرابة قريبة . وقوله - عز وجل : واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام من نصب أراد واتقوا الأرحام أن تقطعوها ومن خفض أراد تساءلون به وبالأرحام ، وهو قولك : نشدتك بالله وبالرحم . ورحم السقاء رحما ، فهو رحم : ضيعه أهله بعد عينته فلم يدهنوه حتى فسد فلم يلزم الماء . والرحوم : الناقة التي تشتكي رحمها بعد النتاج ، وقد رحمت - بالضم - رحامة ورحمت - بالكسر - رحما . ومرحوم ورحيم : اسمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية