صفحة جزء
[ هيه ]

هيه : هيه وهيه ، بالكسر والفتح : في موضع إيه وإيه . وفي حديث أمية وأبي سفيان قال : يا صخر هيه ، فقلت : هيها هيه ، بمعنى إيه ، فأبدل من الهمزة هاء ، وإيه اسم سمي به الفعل ، ومعناه الأمر ، تقول للرجل إيه ، بغير تنوين ، إذا استزدته من الحديث المعهود بينكما ، فإن نونت استزدته من حديث ما غير معهود ; لأن التنوين للتنكير ، فإذا سكنته وكففته قلت : إيها ، بالنصب ، فالمعنى أن أمية قال له : زدني من حديثك ، فقال له أبو سفيان : كف عن ذلك . ابن سيده : إيه كلمة استزادة للكلام ، وهاه كلمة وعيد ، وهي أيضا حكاية الضحك والنوح . وروى الأزهري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله يحب العطاس ، ويكره التثاؤب ، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع ، ولا يقولن هاه هاه ، فإنما ذلكم الشيطان يضحك منه . وفي حديث علي - رضوان الله عليه - وذكر العلماء الأتقياء فقال : أولئك أولياء الله من خلقه ونصحاؤه في دينه والدعاة إلى أمره ، هاه هاه شوقا إليهم . قال ابن سيده : وإنما قضيت على ألف هاه أنها ياء بدليل قولهم هيه في معناه . وهيهيت بالإبل وهاهيت بها : دعوتها وزجرتها فقلت لها هاها ، فقلبت الياء ألفا لغير علة إلا طلب الخفة ; لأن الهاء لخفائها كأنها لم تحجز بينهما ، فالتقى مثلان . وهاهيت بالإبل أي شايعت بها . وهاهيت الكلاب : زجرتها ; وقال :


أرى شعرات على حاجبي ي بيضا نبتن جميعا تؤاما     ظللت أهاهي بهن الكلا
ب أحسبهن صوارا قياما

فأما قوله :


قد أخصم الخصم وآتي بالربع     وأرقع الجفنة بالهيه الرثع

فإن أبا علي فسره بأنه الذي ينحى ويطرد لدنس ثيابه فلا يطعم ، يقال له هيه هيه . وحكى ابن الأعرابي : أن الهيه هو الذي ينحى لدنس ثيابه ، يقال له هيه هيه ; وأنشد البيت :

[ ص: 127 ]

وأرقع الجفنة بالهيه الرثع

قوله : آتي بالربع أي بالربع من الغنيمة ، ومن قال بالربع ، فمعناه أقتاده وأسوقه . وقوله :


وأرقع الجفنة بالهيه الرثع

الرثع : الذي لا يبالي ما أكل وما صنع ، فيقول أنا أدنيه وأطعمه ، وإن كان دنس الثياب ; وأنشد الأزهري هذا البيت ; عن ابن الأعرابي وفسره فقال : يقول إذا كان خللا سددته بهذا ، وقال : الهيه الذي ينحى . يقال : هيه هيه لشيء يطرد ولا يطعم ، يقول : فأنا أدنيه وأطعمه . وهياه : من أسماء الشياطين . وهيهات وهيهات : كلمة معناها البعد ، وقيل : هيهات كلمة تبعيد ; قال جرير :


فهيهات هيهات العقيق وأهله     وهيهات خل بالعقيق نحاوله

والتاء مفتوحة مثل كيف ، وأصلها هاء ، وناس يكسرونها على كل حال بمنزلة نون التثنية ; قال حميد الأرقط يصف إبلا قطعت بلادا حتى صارت في قفار :


يصبحن بالقفر أتاويات


هيهات من مصبحها هيهات


هيهات حجر من صنيبعات

وقد تبدل الهاء همزة فيقال أيهات مثل هراق وأراق ; قال الشاعر :


أيهان منك الحياة أيهانا

وقد تكرر ذكر هيهات في الحديث ، واتفق أهل اللغة أن التاء من هيهات ليست بأصلية أصلها هاء . قال أبو عمرو بن العلاء : إذا وصلت هيهات فدع التاء على حالها ، وإذا وقفت فقل هيهات هيهاه ، قال ذلك في قول الله - عز وجل - : هيهات هيهات لما توعدون . قال : وقال سيبويه من كسر التاء فقال هيهات هيهات فهي بمنزلة عرقات ، تقول استأصل الله عرقاتهم ، فمن كسر التاء جعلها جمعا ، واحدتها عرقة ، وواحدة هيهات على ذلك اللفظ هيهة ، ومن نصب التاء جعلها كلمة واحدة ، قال : ويقال هيهات ما قلت وهيهات لما قلت ، فمن أدخل اللام فمعناه البعد لقولك . ابن الأنباري : في هيهات سبع لغات : فمن قال هيهات بفتح التاء بغير تنوين شبه التاء بالهاء ونصبها على مذهب الأداة ، ومن قال هيهاتا بالتنوين شبهه بقوله فقليلا ما يؤمنون أي فقليلا إيمانهم ، ومن قال هيهات شبهه بحذام وقطام ، ومن قال هيهات بالتنوين شبهه بالأصوات كقولهم غاق وطاق ، ومن قال هيهات لك بالرفع ذهب بها إلى الوصف فقال هي أداة والأدوات معرفة . ومن رفعها ونون شبه التاء بتاء الجمع كقوله من عرفات ، قال : ومن العرب من يقول أيهات في اللغات التي ذكرتها كلها ، ومنهم من يقول أيهان بالنون ; قال الشاعر :


أيهان منك الحياة أيهانا

ومنهم من يقول أيها ، بلا نون ، ومن قال أيها حذف التاء كما حذفت الياء من حاشى ، فقالوا حاش ; وأنشد :


ومن دوني الأعراض والقنع كله     وكتمان أيها ما أشت وأبعدا

وهي في هذه اللغات كلها معناها البعد ، والمستعمل منها استعمالا عاليا الفتح بلا تنوين . الفراء : نصب هيهات بمنزلة نصب ربت وثمت ، والأصل ربه وثمه ; وأنشد :


ماوي يا ربتما غارة     شعواء كاللذعة بالميسم

قال : ومن كسر التاء لم يجعلها هاء تأنيث وجعلها بمنزلة دراك وقطام . أبو حيان : هيهات هيهات لما توعدون ، فألحق الهاء الفتحة ; قال :


هيهات من عبلة ما هيهاتا     هيهات إلا ظعنا قد فاتا

قال ابن جني : كان أبو علي يقول في هيهات أنا أفتي مرة بكونها اسما سمي به الفعل كصه ومه ، وأفتي مرة بكونها ظرفا على قدر ما يحضرني في الحال ، قال : وقال مرة أخرى إنها وإن كانت ظرفا فغير ممتنع أن تكون مع ذلك اسما سمي به الفعل كعندك ودونك . وقال ابن جني مرة : هيهات وهيهات ، مصروفة وغير مصروفة ، جمع هيهة ، قال : وهيهات عندنا رباعية مكررة ، فاؤها ولامها الأولى هاء ، وعينها ولامها الثانية ياء ، فهي لذلك من باب صيصية ، وعكسها يليل ويهياه ، من ضعف الياء بمنزلة المرمرة والقرقرة . ابن سيده : أيهات لغة في هيهات ، كأن الهمزة بدل من الهاء ; هذا قول بعض أهل اللغة ، قال : وعندي أن إحداهما ليست بدلا من الأخرى إنما هما لغتان . قال الأخفش : يجوز في هيهات أن يكون جماعة ، فتكون التاء التي فيها تاء الجمع التي للتأنيث ، قال : ولا يجوز ذلك في اللات والعزى ; لأن لات وكيت لا يكون مثلهما جماعة ; لأن التاء لا تزاد في الجماعة إلا مع الألف ، وإن جعلت الألف والتاء زائدتين بقي الاسم على حرف واحد ، قال ابن بري عند قول الجوهري : يجوز في هيهات أن يكون جماعة وتكون التاء التي فيها تاء الجمع ، قال : صوابه يجوز في هيهات بكسر التاء ، وقد ينون فيقال هيهات وهيهاتا ; قال الأحوص :


تذكر أياما مضين من الصبا     وهيهات هيهاتا إليك رجوعها

وقول العجاج :


هيهات من منخرق هيهاؤه

قال ابن سيده : أنشده ابن جني ولم يفسره ، قال : ولا أدري ما معنى هيهاؤه . وقال غيره : معناها البعد والشيء الذي لا يرجى . وقال ابن بري : قوله هيهاؤه يدل على أن هيهات من مضاعف الأربعة ، وهيهاؤه فاعل بهيهات ، كأنه قال بعد بعده ، ومن متعلقة بهيهات ، وقد تكلم عليه أبو علي في أول الجزء الثاني والعشرين من التذكرة . قال ابن بري : قال أبو علي من فتح التاء وقف عليها بالهاء لأنها في اسم مفرد ، ومن كسر التاء وقف عليها بالتاء لأنها جمع لهيهات المفتوحة ، قال : وهذا خلاف ما حكاه الجوهري عن الكسائي ; وهو سهو منه ، وهذا الذي رده ابن بري على الجوهري ونسبه إلى السهو فيه هو بعينه في المحكم لابن سيده . الأزهري في أثناء كلامه على وهى : أبو عمرو التهييت الصوت بالناس . قال أبو زيد : هو أن تقول له يا هياه .

التالي السابق


الخدمات العلمية