صفحة جزء
( عق ) العين والقاف أصل واحد يدل [ على الشق ] ، وإليه يرجع فروع الباب بلطف نظر . قال الخليل : أصل العق الشق . قال : وإليه يرجع العقوق .

[ ص: 4 ] قال : وكذلك الشعر ينشق عنه الجلد . وهذا الذي أصله الخليل - رحمه الله - صحيح . وبسط الباب بشرحه هو ما ذكره فقال : يقال عق الرجل عن ابنه يعق عنه ، إذا حلق عقيقته ، وذبح عنه شاة . قال : وتلك الشاة عقيقة . وفي الحديث : " كل امرئ مرتهن بعقيقته " . والعقيقة : الشعر الذي يولد به . وكذلك الوبر . فإذا سقط عنه مرة ذهب عنه ذلك الاسم . قال امرؤ القيس :


يا هند لا تنكحي بوهة عليه عقيقته أحسبا



يصفه باللؤم والشح . يقول : كأنه لم يحلق عنه عقيقته في صغره حتى شاخ . وقال زهير يصف الحمار :


أذلك أم أقب البطن جأب     عليه من عقيقته عفاء



قال ابن الأعرابي : الشعور والأصواف والأوبار كلها عقائق وعقق ، واحدتها عقة . قال عدي :


صخب التعشير نوام الضحى     ناسل عقته مثل المسد



وقال رؤبة :


طير عنها اللس حولي العقق



[ ص: 5 ] ويقال أعقت النعجة ، إذا كثر صوفها ، والاسم العقيقة . وعققت الشاة : جززت عقيقها ، وكذلك الإبل . والعق : الجز الأول . ويقال : عقوا بهمكم فقد أعق ، أي جزوه فقد آن له أن يجز . وعلى هذا القياس يسمى نبت الأرض الأول عقيقة . والعقوق : قطيعة الوالدين وكل ذي رحم محرم . يقال عق أباه فهو يعقه عقا وعقوقا . قال زهير :


فأصبحتما منها على خير موطن     بعيدين فيها من عقوق ومأثم



وفي المثل : " ذق عقق " . وفي الحديث أن أبا سفيان قال لحمزة - رضي الله عنه - وهو مقتول : " ذق عقق " يريد يا عاق . وجمع عاق عققة . ويقولون : " العقوق ثكل من لم يثكل " ، أي إن من عقه ولده فكأنه ثكلهم وإن كانوا أحياء . و " هو أعق من ضب " ; لأن الضب تقتل ولدها . والمعقة : العقوق .

قال النابغة :


أحلام عاد وأجساد مطهرة     من المعقة والآفات والأثم



ومن الباب انعق البرق . وعقت الريح المزنة ، إذا استدرتها ، كأنها تشقها شقا . قال الهذلي : [ ص: 6 ]

حار وعقت مزنه الريح وان     قار به العرض ولم يشمل



وعقيقة البرق : ما يبقى في السحاب من شعاعه; وبه تشبه السيوف فتسمى عقائق . قال عمرو بن كلثوم :


بسمر من قنا الخطي لدن     وبيض كالعقائق يختلينا



والعقاقة : السحابة تنعق بالبرق ، أي تنشق . وكان معقر بن حمار كف بصره ، فسمع صوت رعد فقال لابنته : أي شيء ترين ؟ قالت : " أرى سحماء عقاقة ، كأنها حولاء ناقة ، ذات هيدب دان ، وسير وان " . فقال : " يا بنتاه ، وائلي بي إلى قفلة فإنها لا تنبت إلا بمنجاة من السيل " . والعقوق : مكان ينعق عن أعلاه النبت . ويقال انعق الغبار . إذا سطع وارتفع . قال العجاج :


إذا العجاج المستطار انعقا



ويقال لفرند السيف : عقيقة . فأما الأعقة فيقال : إنها أودية في الرمال . والعقيق : واد بالحجاز . قال جرير :


فهيهات هيهات العقيق ومن به     وهيهات خل بالعقيق نواصله



وقال في الأعقة :


دعا قومه لما استحل حرامه     ومن دونهم عرض الأعقة فالرمل



[ ص: 7 ]

وقد قلنا : إن الباب كله يرجع إلى أصل واحد . [ و ] من الكلام الباقي في العقيقة والحمل قولهم : أعقت الحامل تعق إعقاقا; وهي عقوق ، وذلك إذا نبتت العقيقة في بطنها على الولد ، والجمع عقق . قال :


سرا وقد أون تأوين العقق



ويقال العقاق الحمل نفسه . قال الهذلي :


أبن عقاقا ثم يرمحن ظلمه     إباء وفيه صولة وذميل



يريد : أظهرن حملا . وقال آخر :


جوانح يمزعن مزع الظبا     ء لم يتركن لبطن عقاقا



قال ابن الأعرابي . العقق : الحمل أيضا . قال عدي :


وتركت العير يدمى نحره     ونحوصا سمحجا فيها عقق



فأما قولهم : " الأبلق العقوق " فهو مثل يقولونه لما لا يقدر عليه ، قال يونس : الأبلق ذكر ، والعقوق : الحامل ، والذكر لا يكون حاملا ، فلذلك يقال : " كلفتني الأبلق العقوق " ، ويقولون أيضا : " هو أشهر من الأبلق العقوق " يعنون به الصبح; لأن فيه بياضا وسوادا . والعقوق : الشنق . وأنشد :

[ ص: 8 ]

فلو قبلوني بالعقوق أتيتهم     بألف أؤديه من المال أقرعا



يقول : لو أتيتهم بالأبلق العقوق ما قبلوني . فأما العواق من النخل فالروادف ، واحدها عاق ، وتلك فسلان تنبت في العشب الخضر ، فإذا كانت في الجذع لا تمس الأرض فهي الراكبة . والعقيقة : الماء القليل في بطن الوادي . قال كثير :


إذا خرجت من بيتها راق عينها     معوذه وأعجبتها العقائق



وقياس ذلك صحيح; لأن الغدير والماء إذا لاحا فكأن الأرض انشقت . يقول : إذا خرجت رأت حولها نبتها من معوذ النبات والغدران ما يروقها . قال الخليل : العقعق : طائر معروف أبلق بسواد وبياض أذنب يعقعق بصوته ، كأنه ينشق به حلقه . ويقولون : " هو أحمق من عقعق " ، وذلك أنه يضيع ولده .

ومن الكلام الأول " نوى العقوق " : نوى هش رخو لين الممضغة تأكله العجوز أو تلوكه ، وتعلفه الإبل . قال الخليل : وهو من كلام أهل البصرة ، لا تعرفه البادية .

قال ابن دريد العقة : الحفرة في الأرض إذا كانت عميقة . وهو من العق ، وهو الشق . ومنه اشتق العقيق : الوادي المعروف . فأما قول الفرزدق :

[ ص: 9 ]

نصبتم غداة الجفر بيضا كأنها     عقائق إذ شمس النهار استقلت



فقال الأصمعي : العقائق ما تلوحه الشمس على الحائط فتراه يلمع مثل بريق المرآة . وهذا كله تشبيه . ويجوز أن يكون أراد عقائق البرق . وهو كقول عمرو :


وبيض كالعقائق يختلينا



وأما قول ابن الأعرابي : أعق الماء يعقه إعقاقا ، فليس من الباب ، لأن هذا مقلوب من أقعه ، أي أمره . قال :


بحرك عذب الماء ما أعقه     ربك والمحروم من لم يلقه



التالي السابق


الخدمات العلمية