صفحة جزء
( عصب ) العين والصاد والباء أصل صحيح واحد يدل على ربط شيء بشيء ، مستطيلا أو مستديرا . ثم يفرع ذلك فروعا ، وكله راجع إلى قياس واحد .

من ذلك العصب . قال الخليل : هي أطناب المفاصل التي تلائم بينها ، وليس بالعقب . ويقال : لحم عصب ، أي صلب مكتنز كثير العصب . وفلان معصوب الخلق ، أي شديد اكتناز اللحم . وهو حسن العصب ، وامرأة حسنة العصب . والعصب : الطي الشديد . ورجل معصوب الخلق كأنما لوي ليا . قال حسان :


ذروا التخاجئ وامشوا مشية سجحا إن الرجال ذوو عصب وتذكير



وإنما سمي العصيب من أمعاء الشاء لأنه معصوب مطوي . فأما قولهم للجائع معصوب ، فقال قوم : هو الذي تكاد أمعاؤه تعصب ، أي تيبس . وليس هذا بشيء ، إنما المعصوب الذي عصب بطنه من الجوع . ويقال : عصبهم ، إذا جوعهم .

قال ابن الأعرابي : المعصب : المحتاج ، من قولهم عصبه الجوع ، وليس هو الذي ربط حجرا أو غيره . وقال أبو عبيد : المعصب الذي يتعصب من الجوع [ ص: 337 ] بالخرق . والقول ما قاله أبو عبيد ، للقياس الذي قسناه ، ولأن قوله أشهر عند أهل العلم .

وقال أبو زيد : المعصب : الذي عصبته السنون ، أي أكلت ماله ، وهذا صحيح ، وتلخيصه أنها ذهبت بماله فصار بمنزلة الجائع الذي يلجأ إلى التعصب بالخرق . وقال الخليل : والعصب من البرود : يعصب ، أي يدرج غزله ، ثم يصبغ ثم يحاك . قال : ولا يجمع ، إنما يقال برد عصب وبرود عصب ; لأنه مضاف إلى الفعل .

ومن الباب : العصابة : الشيء يعصب به الرأس من صداع . لا يقال إلا عصابة بالهاء ، وما شددت به غير الرأس فهو عصاب بغير هاء ، فرقوا بينهما ليعرفا . ويقال : اعتصب بالتاج وبالعمامة . قال الشاعر :


يعتصب التاج بين مفرقه     على جبين كأنه الذهب



وفلان حسن العصبة ، أي الاعتصاب . وعصبت رأسه بالعصا والسيف تعصيبا ، وكأنه من العصابة . وكان يقال لسعيد بن العاص بن أمية : " ذو العصابة " ، لأنه كان إذا اعتم لم يعتم قرشي إعظاما له . وينشدون :

[ ص: 338 ]

أبو أحيحة من يعتم عمته     يضرب وإن كان ذا مال وذا عدد



ومن الباب : العصاب : الغزال ، وهو القياس لأن الخيط يعصب به . قال :


طي القسامي برود العصاب



والشجرة تعصب أغصانها لينتثر ورقها . ومنه قول الحجاج : " لأعصبنكم عصب السلمة " . والعصاب : العصائب التي تعصب الشجرة ، عن دوجها فيه . قال :


مطاعيم تغدو بالعبيط جفانهم     إذا القر ألوت بالعضاه عصائبه



وقال ابن أحمر :


يا قوم ما قومي على نأيهم     إذ عصب الناس جهام وقر



أي جمعهم وضمهم . ويعصب فخذ الناقة لتدر . قال :

[ ص: 339 ]

وأخلاقنا إعطاؤنا وإباؤنا     إذا ما أبينا لا ندر لعاصب



أي لا نعطي على القسر . والعصوب من الإبل هذه ; وهي لا تدر حتى تعصب . والعصب : أن يشد أنثيا الدابة حتى تسقطا ، وهو معصوب . ويقال : عصب الفم ، وهو ريق يجتمع على الأسنان من غبار أو شدة عطش . قال :


يعصب فاه الريق أي عصب     عصب الجباب بشفاه الوطب



ومن الباب : العصبة ، قال الخليل : هم من الرجال عشرة ، ولا يقال لما دون ذلك عصبة . وإنما سميت عصبة لأنها قد عصبت ، أي كأنها ربط بعضها ببعض . والعصبة والعصابة من الناس ، والطير ، والخيل . قال النابغة :


إذا ما التقى الجمعان حلق فوقهم     عصائب طير تهتدي بعصائب



واعصوصب القوم : صاروا عصابة . واليوم العصيب : الشديد . واعصوصب اليوم : اشتد . ويوم عصبصب واعصوصبت : تجمعت . قال :


واعصوصبت بكرا من حرجف ولها     وسط الديار رذيات مرازيح



قال أبو زيد : كل شيء بشيء فقد عصب به . يقال : عصب القوم بفلان . [ ص: 340 ] قال : ومنه سميت العصبة ، وهم قرابة الرجل لأبيه وبني عمه ، وكذلك كل شيء استدار حول شيء واستكف فقد عصب به .

قال ابن الأعرابي : عصب به وعصب ، إذا طاف به ولزمه . وأنشد :


ألا ترى أن قد تداكأ ورد     وعصب الماء طوال كبد



تداكأ : تدافع . وعصب الماء : لزمه . قال أبو مهدي : عصبت الإبل بالماء تعصب عصوبا ، إذا دارت حوله وحامت عليه . قال :


قد علمت أني إذا الورد عصب



وما عصبت بذلك المكان ولا قربته . قال الخليل : العصبة هم الذين يرثون الرجل عن كلالة من غير والد ولا ولد . فأما الفرائض فكل من لم تكن فريضته مسماة فهو عصبة ، إن بقي بعد الفرائض شيء أخذوه . قال الخليل : ومنه اشتق العصبية . قال ابن السكيت : ذاك رجل من عصب القوم ، أي من خيارهم . وهو قياس الباب لأنه تعصب بهم الأمور .

التالي السابق


الخدمات العلمية