الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( عصر ) العين والصاد والراء أصول ثلاثة صحيحة :

                                                          فالأول دهر وحين ، والثاني ضغط شيء حتى يتحلب ، والثالث تعلق بشيء وامتساك به .

                                                          فالأول العصر ، وهو الدهر . قال الله : والعصر إن الإنسان لفي خسر . وربما قالوا عصر . قال امرؤ القيس :

                                                          [ ص: 341 ]

                                                          ألا انعم صباحا أيها الطلل البالي وهل ينعمن من كان في العصر الخالي



                                                          قال الخليل : والعصران : الليل والنهار . قال :


                                                          ولن يلبث العصران يوم وليلة     إذا اختلفا أن يدركا ما تيمما



                                                          قالوا : وبه سميت صلاة العصر ، لأنها تعصر ، أي تؤخر عن الظهر . والغداة والعشي يسميان العصرين . قال :


                                                          المطعمو الناس اختلاف العصرين



                                                          ابن الأعرابي : أعصر القوم وأقصروا ، من العصر والقصر . ويقال : عصروا واحتبسوا إلى العصر . وروي حديث أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال لرجل : حافظ على العصرين . قال الرجل : وما كانت من لغتنا ، فقلت : وما العصران ؟ قال : صلاة قبل طلوع الشمس ، وصلاة قبل غروبها ، يريد صلاة الصبح وصلاة العصر .

                                                          فأما الجارية المعصر فقد قاسه ناس هذا القياس ، وليس الذي قالوه فيه ببعيد .

                                                          قال الخليل وغيره : الجارية إذا رأت في نفسها زيادة الشباب فقد أعصرت ، وهي معصر بلغت عصر شبابها وإدراكها . قال أبو ليلى : إذا بلغت الجارية وقربت من حيضها فهي معصر . وأنشد :

                                                          [ ص: 342 ]

                                                          جارية بسفوان دارها     قد أعصرت أو قد دنا إعصارها



                                                          قال قوم : سميت معصرا لأنها تغيرت عن عصرها . وقال آخرون فيه غير هذا ، وقد ذكرناه في موضعه .

                                                          والأصل الثاني العصارة : ما تحلب من شيء تعصره . قال :


                                                          عصارة الخبز الذي تحلبا



                                                          وهو العصير . وقال في العصارة :


                                                          العود يعصر ماؤه     ولكل عيدان عصاره



                                                          وقال ابن السكيت : تقول العرب : " لا أفعله مادام الزيت يعصر " . قال أوس :


                                                          فلا برء من ضباء والزيت يعصر



                                                          والعرب تجعل العصارة والمعتصر مثلا للخير والعطاء ، إنه لكريم العصارة وكريم المعتصر . وعصرت العنب ، إذا وليته بنفسك . واعتصرته ، إذا عصر لك خاصة . والمعصار : شيء كالمخلاة يجعل فيه العنب ويعصر .

                                                          ومن الباب : المعصرات : سحائب تجيء بمطر . قال الله - سبحانه - : [ ص: 343 ] وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا . وأعصر القوم ، إذا أتاهم المطر . وقرئت : " فيه يغاث الناس وفيه يعصرون " ، أي يأتيهم المطر . وذلك مشتق من عصر العنب وغيره . فأما الرياح وتسميتهم إياها المعصرات فليس يبعد أن يحمل على هذا الباب من جهة المجاورة ، لأنها لما أثارت السحاب المعصرات سميت معصرات وإعصارا . قال في المعصرات :


                                                          وكأن سهك المعصرات كسونها     ترب الفدافد والبقاع بمنخل



                                                          والإعصار : الغبار الذي يسطع مستديرا ; والجمع الأعاصير . قال :


                                                          وبينما المرء في الأحياء مغتبطا     إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير



                                                          ويقال في غبار العجاجة أيضا : إعصار . قال الله - تعالى - : فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت . ويقال : مر فلان ولثيابه عصرة ، أي فوح طيب وهيجه . وهو مأخوذ من الإعصار . وفي الحديث : " مرت امرأة متطيبة لذيلها عصرة " .

                                                          [ ص: 344 ] ومن الباب العصر والاعتصار . قال الخليل : الاعتصار : أن يخرج من إنسان مال بغرم أو بوجه من الوجوه .

                                                          قال ابن الأعرابي : يقال : بنو فلان يعتصرون العطاء . قال الأصمعي : المعتصر : الذي يأخذ من الشيء يصيب منه . قال ابن أحمر :


                                                          وإنما العيش بربانه     وأنت من أفنانه معتصر



                                                          ويقال للغلة عصارة . وفسر قوله - تعالى : وفيه يعصرون ، قال : يستغلون بأرضيهم . وهذا من القياس ، لأنه شيء كأنه اعتصر كما يعتصر العنب وغيره . قال الخليل : العصر : العطاء . قال طرفة :


                                                          لو كان في أملاكنا أحد     يعصر فينا كالذي تعصر



                                                          أي تعطي .

                                                          والأصل الثالث : العصر : الملجأ ، يقال اعتصر بالمكان ، إذا التجأ إليه . قال أبو دواد :


                                                          مسح لا يواري العي     ر منه عصر اللهب



                                                          ويقال : ليس لك من هذا الأمر عصرة ، على فعلة ، وعصر على تقدير فعل ، أي ملجأ . وقال في العصرة :

                                                          [ ص: 345 ]

                                                          ولقد كان عصرة المنجود



                                                          ويقال في قول القائل :


                                                          أعشى رأيت الرمح أو هو مبصر     لأستاهكم إذ تطرحون المعاصرا



                                                          إن المعاصر : العمائم . وقالوا : هي ثياب سود . والصحيح من ذلك أن المعاصر الدروع ، مأخوذ من العصر ، لأنه يعصر بها . والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية