صفحة جزء
[ ص: 464 ] 199

ثم دخلت سنة تسع وتسعين ومائة

ذكر ظهور ابن طباطبا العلوي

وفيها ظهر ( أبو عبد الله ) محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليه السلام - لعشر خلون من جمادى الآخرة ، بالكوفة ، يدعو إلى الرضى من آل محمد - صلى الله عليه وسلم - والعمل بالكتاب والسنة ، وهو الذي يعرف بابن طباطبا ، وكان القيم بأمره في الحرب أبو السرايا السري بن منصور ، وكان يذكر أنه من ولد هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود الشيباني .

وكان سبب خروجه أن المأمون لما صرف طاهرا عما كان إليه من الأعمال التي افتتحها ، ووجه الحسن بن سهل إليها - تحدث الناس بالعراق أن الفضل بن سهل قد غلب على المأمون ، وأنه أنزله قصرا حجبه فيه عن أهل بيته وقواده ، وأنه يستبد بالأمر دونه ، فغضب لذلك بنو هاشم ووجوه الناس ، واجترءوا على الحسن بن سهل ، وهاجت الفتن في الأمصار ، فكان أول من ظهر ابن طباطبا بالكوفة .

وقيل : كان سبب اجتماع ابن طباطبا بأبي السرايا أن أبا السرايا كان يكري الحمير ، ثم قوي حاله ، فجمع نفرا ، فقتل رجلا من بني تميم بالجزيرة ، وأخذ ما معه ، فطلب ، فاختفى ، وعبر الفرات إلى الجانب الشامي ، فكان يقطع الطريق في تلك النواحي ، ثم لحق بيزيد بن مزيد الشيباني ب أرمينية ، ومعه ثلاثون فارسا ، فقوده ، فجعل يقاتل معه الخرمية ، وأثر فيهم وفتك ، وأخذ منهم غلامه أبا الشوك .

فلما عزل أسد عن أرمينية صار أبو السرايا إلى أحمد بن مزيد ، فوجهه أحمد طليعة إلى عسكر هرثمة في فتنة الأمين والمأمون ، وكانت شجاعته قد اشتهرت ، فراسله هرثمة [ ص: 465 ] ( يستميله ، فمال إليه ، فانتقل إلى عسكره ، وقصده العرب ) من الجزيرة ، واستخرج لهم الأرزاق من هرثمة ، فصار معه نحو ألفي فارس وراجل ، فصار يخاطب بالأمير .

فلما قتل الأمين نقصه هرثمة من أرزاقه وأرزاق أصحابه ، فاستأذنه في الحج ، فأذن له وأعطاه عشرين ألف درهم ، ففرقها في أصحابه ومضى ، وقال لهم : اتبعوني متفرقين . ففعلوا ، فاجتمع معه منهم نحو من مائتي فارس ، فسار بهم إلى عين التمر وحصر عاملها ، وأخذ ما معه من المال وفرقه في أصحابه .

وسار ، فلقي عاملا آخر ومعه مال على ثلاثة بغال ، فأخذوها وسار ، فلحقه عسكر كان قد سيره هرثمة خلفه ، فعاد إليهم وقاتلهم ، فهزمهم ، ودخل البرية ، وقسم المال بين أصحابه ، وانتشر جنده ، فلحق به من تخلف عنه من أصحابه وغيرهم ، فكثر جمعه ، فسار نحو دقوقاء ، وعليها أبو ضرغامة العجلي ، في سبعمائة فارس ، فخرج إليه فلقيه ، فاقتتلوا ، فانهزم أبو ضرغامة ودخل قصر دقوقاء ، فحصره أبو السرايا ، وأخرجه من القصر بالأمان ، وأخذ ما عنده من الأموال .

وسار إلى الأنبار وعليها إبراهيم الشروي ، مولى المنصور ، فقتله أبو السرايا ، وأخذ ما فيها وسار عنها ، ثم عاد إليها بعد إدراك الغلال ، فاحتوى عليها ، ثم ضجر من طول السرى في البلاد ، فقصد الرقة ، فمر بطوق بن مالك التغلبي وهو يحارب القيسية ، فأعانه عليهم ، وأقام معه أربعة أشهر يقاتل على غير طمع إلا للعصبية للربعية على المضرية ، فظفر طوق وانقادت له قيس .

وسار عنه أبو السرايا إلى الرقة ، فلما وصلها لقيه محمد بن إبراهيم المعروف بابن طباطبا ، فبايعه ، وقال له : انحدر أنت في الماء ، وأسير أنا على البر ، حتى نوافي الكوفة . فدخلاها ، وابتدأ أبو السرايا بقصر العباس بن موسى بن عيسى فأخذ ما فيه من الأموال والجواهر ، وكان عظيما لا يحصى ، وبايعهم أهل الكوفة .

وقيل : كان سبب خروجه أن أبا السرايا كان من رجال هرثمة ، فمطله بأرزاقه فغضب ، ومضى إلى الكوفة ، ( فبايع ابن طباطبا ، وأخذ الكوفة ) ، واستوسق له أهلها ، [ ص: 466 ] وأتاه الناس من نواحي الكوفة والأعراب ، فبايعوه ، وكان العامل عليها للحسن بن سهل سليمان بن المنصور ، فلامه الحسن ، ووجه زهير بن المسيب الضبي إلى الكوفة في عشرة آلاف فارس وراجل ، فخرج إليه ابن طباطبا وأبو السرايا ، فواقعوه في قرية شاهي فهزموه ، واستباحوا عسكره ، وكانت الوقعة سلخ جمادى الآخرة .

فلما كان الغد ، مستهل رجب ، مات محمد بن إبراهيم بن طباطبا فجأة ، سمه أبو السرايا ، وكان سبب ذلك أنه لما غنم ما في عسكر زهير منع عنه أبا السرايا ، وكان الناس له مطيعين ، فعلم أبو السرايا أنه لا حكم له معه ، فسمه فمات ، وأخذ غلاما أمرد يقال له محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليه السلام - فكان الحكم إلى أبي السرايا .

ورجع زهير إلى قصر ابن هبيرة ، فأقام به ، ووجه الحسن بن سهل عبدوس بن محمد بن أبي خالد المروروذي ، في أربعة آلاف فارس ، فخرج إليه أبو السرايا ، فلقيه بالجامع لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب ، فقتل عبدوسا ، ولم يفلت من أصحابه أحد ، كانوا بين قتيل وأسير .

وانتشر الطالبيون في البلاد ، وضرب أبو السرايا الدراهم بالكوفة ، وسير جيوشه إلى البصرة وواسط ونواحيهما .

فولى البصرة العباس بن محمد بن عيسى بن محمد الجعفري . وولى مكة الحسين بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي الذي يقال له الأفطس ، وجعل إليه الموسم . وولى اليمن إبراهيم بن موسى بن جعفر . ( وولى فارس إسماعيل بن موسى بن جعفر . وولى الأهواز زيد بن موسى بن جعفر ) ، فسار إلى البصرة وغلب عليها ، وأخرج [ ص: 467 ] عنها العباس بن محمد الجعفري ، ووليها مع الأهواز .

ووجه أبو السرايا محمد بن سليمان بن داود بن الحسن ( بن الحسن ) بن علي إلى المدائن ، وأمره أن يأتي بغداذ من الجانب الشرقي ، فأتى المدائن وأقام بها ، وسير عسكره إلى ديالى .

وكان بواسط عبد الله بن سعيد الحرشي واليا عليها من قبل الحسن بن سهل ، فانهزم من أصحاب أبي السرايا إلى بغداذ ، فلما رأى الحسن أن أصحابه لا يلبثون لأصحاب أبي السرايا - أرسل إلى هرثمة يستدعيه لمحاربة أبي السرايا ، وكان قد سار إلى خراسان مغاضبا للحسن ، فحضر بعد امتناع ، وسار إلى الكوفة في شعبان ، وسير الحسن إلى المدائن وواسط علي بن سعيد ، فبلغ الخبر أبا السرايا وهو بقصر ابن هبيرة ، فوجه جيشا إلى المدائن ، فدخلها أصحابه في رمضان ، وتقدم حتى نزل بنهر صرصر ، وجاء هرثمة فعسكر بإزائه ، بينهما النهر ، وسار علي بن سعيد في شوال إلى المدائن ، فقاتل بها أصحاب أبي السرايا ، فهزمهم واستولى على المدائن .

وبلغ الخبر أبا السرايا ، فرجع من نهر صرصر إلى قصر ابن هبيرة ، فنزل به ، وسار هرثمة في طلبه فوجد جماعة من أصحابه ، فقتلهم ، ووجه رءوسهم إلى الحسن بن سهل ، ونازل هرثمة أبا السرايا ، فكانت بينهما وقعة قتل فيها جماعة من أصحاب أبي السرايا ، فانحاز إلى الكوفة ، ووثب من معه من الطالبيين على دور بني العباس ومواليهم ( وأتباعهم ، فهدموها ) ، وانتهبوها ، وخربوا ضياعهم ، وأخرجوهم من الكوفة ، وعملوا أعمالا قبيحة ، واستخرجوا الودائع التي كانت لهم عند الناس .

وكان هرثمة يخبر الناس أنه يريد الحج ، وحبس من قدم للحج من خراسان وغيرها ليكون هو أمير الموسم ، ووجه إلى مكة داود بن عيسى بن موسى بن عيسى بن محمد بن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهم - وكان الذي وجهه أبو السرايا إلى مكة حسين بن حسن الأفطس ابن علي بن علي بن الحسين بن علي ، ووجه إلى المدينة محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن علي ، فدخلها ، ولم يقاتله بها أحد .

[ ص: 468 ] ولما بلغ داود بن عيسى توجيه أبي السرايا حسين بن حسن إلى مكة لإقامة الموسم - جمع أصحاب بني العباس ومواليهم ، وكان مسرور الكبير قد حج في مائتي فارس ، فتعبأ للحرب ، وقال لداود : أقم إلي شخصك ، أو بعض ولدك ، وأنا أكفيك ، فقال : لا أستحل القتال في المحرم ، والله لئن دخلوها من هذا الفج لأخرجن من غيره .

وانحاز داود إلى ناحية المشاش ، وافترق الجمع الذي كان جمعهم ، وخاف مسرور أن يقاتلهم ، فخرج في أثر داود راجعا إلى العراق ، وبقي الناس بعرفة ، فصلى بهم رجل من عرض الناس بغير خطبة ، ودفعوا من عرفة بغير إمام .

وكان حسين بن حسن بسرف يخاف دخول مكة ، حتى خرج إليه قوم أخبروه أن مكة قد خلت من بني العباس ، فدخلها في عشرة أنفس ، فطافوا بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، ومضوا إلى عرفة ، فوقفوا ليلا ثم رجعوا إلى مزدلفة ، فصلى بالناس الصبح ، وأقام بمنى أيام الحج ، وبقي بمكة إلى أن انقضت السنة ، وكذلك أيضا أقام محمد بن سليمان بالمدينة ، حتى انقضت السنة .

وأما هرثمة فإنه نزل بقرية شاهي ، ورد الحاج ، واستدعى منصور بن المهدي إليه ، وكاتب رؤساء أهل الكوفة .

وأما علي بن سعيد فإنه توجه من المدائن إلى واسط ، فأخذها ، وتوجه إلى البصرة ، فلم يقدر على أخذها هذه السنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية