صفحة جزء
ذكر الفتنة بين جند بغداد ومحمد بن عبد الله

وفي هذه السنة كانت وقعة بين جند بغداد وأصحاب محمد بن عبد الله بن طاهر .

وكان سبب ذلك أن الشاكرية وأصحاب الفروض اجتمعوا إلى دار محمد يطلبون أرزاقهم في رمضان ، فقال لهم : إني كتبت إلى أمير المؤمنين في إطلاق أرزاقكم ، فكتب في الجواب ، إن كنت تريد الجند لنفسك فأعطهم أرزاقهم ، وإن كنت تريدهم لنا فلا حاجة لنا فيهم ، فشغبوا عليه ، وأخرج لهم ألفي دينار ، ففرقت فيهم ، فسكتوا .

ثم اجتمعوا في رمضان أيضا ، ومعهم الأعلام والطبول ، وضربوا الخيام على باب حرب ، وعلى باب الشماسية وغيرهما ، وبنوا بيوتا من بواري وقصب ، وباتوا ليلتهم ، فلما أصبحوا كثر جمعهم ، وأحضر محمد أصحابه ، فباتوا في داره ، وشحن داره بالرجال ، واجتمع إلى أولئك ( المشغبين ) خلق كثير ، بباب حرب ، بالسلاح والأعلام والطبول ، ورئيسهم أبو القاسم عبدون بن الموفق ، وكان من نواب عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، فحثهم على طلب أرزاقهم وفائتهم .

فلما كان يوم الجمعة أرادوا أن يمنعوا الخطيب من الدعاء للمعتز ، فعلم الخطيب ( بذلك ) ، فاعتذر بمرض لحقه ، ولم يخطب ، فمضوا يريدون الجسر ، فوجه إليهم ابن طاهر عدة من قواده في جماعة من الفرسان والرجال ، فاقتتلوا ، فقتل بينهم قتلى ، ودفعوا أصحاب ابن طاهر عن الجسر ، فلما رأى الذين بالجانب الشرقي أن أصحابهم أزالوا أصحاب ابن طاهر ( عن الجسر ) حملوا يريدون العبور إلى أصحابهم ، وكان ابن [ ص: 236 ] طاهر قد أعد سفينة فيها شوك وقصب ، فألقى فيها النار ، وأرسلها إلى الجسر الأعلى فأحرقت سفنه ، وقطعته ، وصارت إلى الجسر الآخر ، فأدركها أهل الجانب الغربي ، فغرقوها ، وعبر من [ في ] الجانب الشرقي إلى الغربي ، ودفعوا أصحاب ابن طاهر إلى باب داره ، وقتل بينهم نحو عشرة أنفس ، ونهب العامة مجلس الشرط ، وأخذوا منه شيئا كثيرا من أصناف المتاع .

ولما رأى ابن طاهر أن الجند قد ظهروا على أصحابه أمر بالحوانيت التي على باب الجسر أن تحرق ، فاحترق للتجار متاع كثير ، فحالت النار بين الفريقين ، ورجع الجند إلى معسكرهم بباب حرب ، وجمع ابن طاهر عامة أصحابه ، وعبأهم تعبئة الحرب خوفا من رجعة الجند ، فلم يكن لهم عودة ، فأتاه في بعض الأيام رجلان من الجند ، فدلاه على عورة القوم ، فأمر لهما بمائتي دينار ، وأمر الشاه بن ميكال وغيره من القواد في جماعة بالمسير إليهم ، فسار إلى تلك الناحية ، وكان أبو القاسم ، وابن الخليل ، وهما المقدمان على الجند ، قد خافا بمضي ذينك الرجلين ، ( وقد تفرق الناس عنهما ) ، فسار كل واحد منهما إلى ناحية .

وأما ابن الخليل فإنه لقي الشاه بن ميكال ومن معه ، فصاح بهم ، وصاح به أصحاب محمد ، وصار في وسطهم ، فقتل ، وأما أبو القاسم فإنه اختفى ، فدل عليه فأخذ وحمل إلى ابن طاهر ، وتفرق الجند من باب حرب ، ورجعوا إلى منازلهم ، وقيد أبو القاسم وضرب ضربا مبرحا ، فمات منه في رمضان .

التالي السابق


الخدمات العلمية