صفحة جزء
[ ص: 432 ] 271

ثم دخلت سنة إحدى وسبعين ومائتين

ذكر خلاف محمد وعلي العلويين

في هذه السنة دخل محمد ، وعلي ابنا الحسين بن جعفر بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المدينة ، وقتلا جماعة من أهلها ، وأخذا من قوم مالا ، ولم يصل أهل المدينة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع جمع ، لا جمعة ، ولا جماعة ، فقال الفضل بن العباس العلوي في ذلك :


أخربت دار هجرة المصطفى الب ر فأبكى خرابها المسلمينا     عين فابكي مقام جبريل والقب
ر فبكى والمنبر الميمونا     وعلى المسجد الذي أسه التق
وى ، خلاء أمسى من العابدينا     وعلى طيبة التي بارك الل
ه عليها بخاتم المرسلينا



ذكر عزل عمرو بن الليث عن خراسان

وفيها أدخل المعتمد إليه حاج خراسان ، وأعلمهم أنه قد عزل عمرو بن الليث عما كان قلده ، ولعنه بحضرتهم ، وأخبرهم أنه قلد خراسان محمد بن طاهر ، وأمر أيضا بلعن عمرو على المنابر ، فلعن ، فسار صاعد بن مخلد إلى فارس لحرب عمرو ، فاستخلف محمد بن طاهر رافع بن هرثمة على خراسان ، فلم يغير السامانية عما وراء النهر .

[ ص: 433 ] ذكر وقعة الطواحين

وفي هذه السنة كانت وقعة الطواحين بين أبي العباس المعتضد وبين خمارويه بن أحمد بن طولون .

وسبب ذلك أن المعتضد سار من دمشق ، بعد أن ملكها نحو الرملة إلى عساكر خمارويه ، فأتاه الخبر بوصول خمارويه إلى عساكره ، وكثرة من معه من الجموع ، فهم بالعود ، فلم يمكنه من معه من أصحاب خمارويه الذين صاروا معه ، وكان المعتضد قد أوحش ابن كنداجيق ، وابن أبي الساج ، ونسبهما إلى الجبن ، حيث انتظراه ليصل إليها ، ففسدت نياتهما معه .

ولما وصل خمارويه إلى الرملة نزل على الماء الذي عليه الطواحين ، فملكه ، فنسبت الوقعة إليه ، ووصل المعتضد وقد عبأ أصحابه ، وكذلك أيضا فعل خمارويه ، وجعل له كمينا عليهم سعيدا الأيسر ، وحملت ميسرة المعتضد على ميمنة خمارويه ، فانهزمت ، فلما رأى ذلك خمارويه ، ولم يكن رأى مصافا قبله ، ولى منهزما في نفر من الأحداث الذين لا علم لهم بالحرب ولم يقف دون مصر .

ونزل المعتضد إلى خيام خمارويه ، وهو لا يشك في تمام النصر ، فخرج الذين عليهم سعيد الأيسر ، وانضاف إليه من بقي من جيش خمارويه ، ونادوا بشعارهم ، وحملوا على عسكر المعتضد وهم مشغولون بنهب السواد ، ووضع المصريون السيف فيهم ، وظن المعتضد أن خمارويه قد عاد ، فركب فانهزم ولم يلو على شيء ، فوصل إلى دمشق ، ولم يفتح له أهلها بابها ، فمضى منهزما حتى بلغ طرسوس ، وبقي العسكران يضطربان بالسيوف ، وليس لواحد منها أمير .

وطلب سعيد الأيسر خمارويه فلم يجده ، فأقام أخاه أبا العشائر ، وتمت الهزيمة على العراقيين ، وقتل منهم خلق كثير وأسر كثير .

وقال سعيد للعساكر : إن هذا أخو صاحبكم ، وهذه الأموال تنفق فيكم ، ووضع العطاء ، فاشتغل الجند عن الشغب بالأموال ، وسيرت البشارة إلى مصر ، ففرح خمارويه بالظفر ، وخجل للهزيمة ، غير أنه أكثر الصدقة ، وفعل مع الأسرى فعلة لم يسبق إلى مثلها [ ص: 434 ] أحد قبله ، فقال لأصحابه : إن هؤلاء أضيافكم فأكرموهم ، ثم أحضرهم بعد ذلك وقال لهم : من اختار المقام عندي فله الإكرام والمواساة ، ومن أراد الرجوع جهزناه وسيرناه ، فمنهم من أقام ومنهم من سار مكرما ، وعادت عسكر خمارويه إلى الشام ففتحته أجمع ، فاستقر ملك خمارويه له .

ذكر الحرب بين عسكر الخليفة ، وعمرو الصفار

في هذه السنة عاشر ربيع الأول كانت وقعة بين عساكر الخليفة وفيها أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف ، وبين عمرو بن الليث الصفار ، ودامت الحرب من أول النهار إلى الظهر ، فانهزم عمرو وعساكره ، وكانوا خمسة عشر ألفا بين فارس وراجل ، وجرح الدرهمي مقدم جيش عمرو بن الليث ، وقتل مائة رجل من حماتهم ، وأسر ثلاثة آلاف أسير ، استأمن منهم ألف رجل ، وغنموا من معسكر عمرو من الدواب والبقر والحمير ثلاثين ألف رأس ، وما سوى ذلك فخارج عن الحد .

ذكر حروب الأندلس وإفريقية

في هذه السنة سير محمد صاحب الأندلس جيشا مع ابنه المنذر إلى مدينة بطليوس ، فزال عنها ابن مروان الجليقي ، وكان مخالفا ، كما ذكرنا ، وقصد حصن أشير غرة فتحصن به ، فأحرق المنذر بطليوس ، وسير محمد أيضا جيشا مع هاشم بن عبد العزيز إلى مدينة سرقسطة ، بها محمد بن لب بن موسى ، فملكها هاشم ، وأخرج منها محمدا ، وكان معه عمر بن حفصون الذي ذكرنا خروجه على صاحب الأندلس فصالحه .

فلما عادوا إلى قرطبة هرب عمر بن حفصون ، وقصد بربشتر مخالفا ، فاهتم صاحب الأندلس به ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى .

[ ص: 435 ] وفيها سارت سرية للمسلمين عظيمة بصقلية إلى رمطة ، فخربت وغنمت وسبت ، وأسرت كثيرا وعادت .

وتوفي أمير صقلية ، وهو الحسين بن أحمد ، فولي بعده سوادة بن محمد بن خفاجة التميمي ، وقدم إليها ، فسار عسكر كبير إلى مدينة قطانية فأهلك ما فيها ، وسار إلى طبرمين فقاتل أهلها ، وأفسد زرعها ، وتقدم فيها ، فأتاه رسول بطريق الروم يطلب الهدنة ، والمفاداة ، فهادنه ثلاثة أشهر ، وفاداه ثلاثمائة أسير من المسلمين ، فرجع سوادة إلى بلرم .

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة عقد لأحمد بن محمد الطائي على المدينة ، وطريق مكة ، فوثب يوسف بن أبي الساج - وهو والي مكة - على بدر غلام الطائي ، وكان أميرا على الحاج ، فحاربه ، وأسره ، فثار الجند بيوسف ، فقاتلوه ، واستنقذوا بدرا ، وأسروا يوسف ، وحملوه إلى بغداذ ، وكانت الحرب بينهم على أبواب المسجد الحرام .

وفيها خربت العامة الدير العتيق الذي وراء نهر عيسى ، وانتهبوا ما فيه ، وقلعوا أبوابه ، فسار إليهم الحسين بن إسماعيل ، صاحب شرطة بغداذ من قبل محمد بن طاهر ، فمنعهم من هدم ما بقي منه ، وكان يتردد هو والعامة إليه أياما ، حتى كاد أن يكون بينهم حرب ، ثم بنى ما هدم بعد أيام ، وكانت إعادة بنائه بقوة عبدون أخي صاعد بن مخلد . وحج بالناس هارون بن إسحاق .

[ الوفيات ] وفيها توفي عبد الرحمن بن محمد بن منصور البصري .

التالي السابق


الخدمات العلمية