صفحة جزء
ذكر أمر القرامطة ، وانهزام العباس الغنوي منهم

في هذه السنة ، في ربيع الآخر ، عظم أمر القرامطة بالبحرين ، وأغاروا على نواحي هجر ، وقرب بعضهم من نواحي البصرة ، فكتب أحمد الواثقي يسأل المدد ، فسير إليه سميريات فيها ثلاثمائة رجل ، وأمر المعتضد باختيار رجل ينفذه إلى البصرة ، وعزل العباس بن عمرو الغنوي عن بلاد فارس ، وأقطعه اليمامة والبحرين ، وأمره بمحاربة القرامطة وضم إليه زهاء ألفي رجل ، فسار إلى البصرة ، واجتمع إليه جمع كثير من المتطوعة والجند ، والخدم .

ثم سار منها إلى أبي سعيد الجنابي ، فلقوه مساء ، وتناوشوا القتال ، وحجز بينهم [ ص: 510 ] الليل ، فلما كان الليل انصرف عن العباس من كان معه من أعراب بني ضبة ، وكانوا ثلاثمائة ، إلى البصرة ، وتبعهم مطوعة البصرة ، فلما أصبح العباس باكر الحرب ، فاقتتلوا قتالا شديدا .

ثم حمل نجاح غلام أحمد بن عيسى بن الشيخ من ميسرة العباس في مائة رجل على ميمنة أبي سعيد ، فوغلوا فيهم ، فقتلوا عن آخرهم ، وحمل الجنابي ومن معه على أصحاب العباس ، فانهزموا وأسر العباس ، واحتوى الجنابي على ما كان في عسكره ، فلما كان من الغد أحضر الجنابي الأسرى فقتلهم جميعا وحرقهم ، وكانت الوقعة آخر شعبان .

ثم سار الجنابي إلى هجر بعد الوقعة ، فدخلها وأمن أهلها ، وانصرف من سلم من المنهزمين ، وهم قليل نحو البصرة بغير زاد ، فخرج إليهم من البصرة نحو أربعمائة رجل على الرواحل ، ومعهم الطعام ، والكسوة والماء ، فلقوا بها المنهزمين ، فخرج عليهم بنو أسد ، وأخذوا الرواحل وما عليها ، وقتلوا من سلم من المعركة ، فاضطربت البصرة لذلك ، وعزم أهلها على الانتقال منها ، فمنعهم الواثقي .

وبقي العباس عند الجنابي أياما ثم أطلقه ، وقال له : امض إلى صاحبك ، وعرفه ما رأيت ، وحمله على رواحل ، فوصل إلى بعض السواحل وركب البحر فوافى الأبلة ، ثم سار منها إلى بغداذ فوصلها في رمضان ، فدخل على المعتضد فخلع عليه .

بلغني أن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال : عجائب الدنيا ثلاث : جيش العباس بن عمرو يؤسر وحده ، وينجو وحده ، ويقتل جميع جيشه ; وجيش عمرو بن الصفار ( يؤسر وحده ، ويسلم ) جميع جيشه ; وأنا أنزل في بيتي ، وتولي ابني أبو العباس الجسرين ببغداذ .

ولما أطلق أبو سعيد العباس أعطاه درجا ملصقا وقال له : أوصله إلى المعتضد فإن لي فيه أسرارا . فلما دخل العباس على المعتضد ( عاتبه المعتضد ) فأوصل إليه العباس الكتاب ، فقال : والله ليس فيه شيء ، وإنما أراد أن يعلمني أني أنفذتك إليه في العدد الكثير ، فردك فردا ; وفتح الكتاب وإذا ليس فيه شيء .

[ ص: 511 ] وفيها ، في ذي القعدة أوقع بدر غلام الطائي القرامطة ، على غرة منهم ، بنواحي ميسان ، وغيرها ، وقتل منهم مقتلة ، ثم تركهم خوفا أن تخرب السواد ، وكانوا فلاحية ، وطلب رؤساءهم فقتل من ظفر به منهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية