صفحة جزء
[ ص: 555 ] 294

ثم دخلت سنة أربع وتسعين ومائتين

ذكر أخبار القرامطة وأخذهم الحاج

في هذه السنة ، في المحرم ، ارتحل زكرويه من نهر المثنية يريد الحاج ، فبلغ السلمان ، وأقام ينتظرهم ، فبلغت القافلة الأولى واقصة سابع المحرم ، فأنذرهم أهلها وأخبروهم بقرب القرامطة ، فارتحلوا لساعتهم .

وسار القرامطة إلى واقصة ، فسألوا أهلها عن الحاج ، فأخبروهم أنهم ساروا ، فاتهمهم زكرويه ، فقتل العلافة ، وأحرق العلف ، وتحصن أهل واقصة في حصنهم ، فحصرهم أياما ، ثم ارتحل عنهم نحو زبالة ، وأغار في طريقه على جماعة من بني أسد .

ووصلت العساكر المنفذة من بغداذ إلى عيون الطف ، فبلغهم مسير زكرويه من السلمان ، فانصرفوا ، وسار علان بن كشمرد جريدة ، فنزل واقصة بعد أن جازت القافلة الأولى .

ولقي زكرويه القرمطي قافلة الخراسانية بعقبة الشيطان راجعين من مكة ، فحاربهم حربا شديدة ، فلما رأى شدة حربهم سألهم : هل فيكم نائب للسلطان ؟ فقالوا : ما معنا أحد ، قال : فلست أريدكم .

فاطمأنوا وساروا ، فلما ساروا أوقع بهم ، وقتلهم عن آخرهم ، ولم ينج إلا الشريد ، وسبوا من النساء ما أرادوا ، وقتلوا منهن .

[ ص: 556 ] ولقي بعض المنهزمين علان بن كشمرد ، فأخبروه خبرهم ، وقالوا له : ما بينك وبينهم إلا القليل ، ولو رأوك لقويت نفوسهم ، فالله الله فيهم ! فقال : لا أعرض أصحاب السلطان للقتل ، ورجع هو وأصحابه .

وكتب من نجا من الحجاج من هذه القافلة الثانية إلى رؤساء القافلة الثالثة من الحجاج يعلمونهم ما جرى من القرامطة ، ويأمرونهم بالتحذر ، والعدول عن الجادة نحو واسط والبصرة ، والرجوع إلى فيد والمدينة إلى أن تأتيهم جيوش السلطان ، فلم يسمعوا ، ولم يقيموا .

وسارت القرامطة من العقبة بعد أخذ الحاج ، وقد طموا الآبار والبرك بالجيف ، والتراب ، بواقصة ، والثعلبية ، والعقبة ، وغيرها من المناهل في جميع طريقهم .

وأقام [ زكرويه ] بالهبير ينتظر القافلة الثالثة ، فساروا فصادفوه هناك ، فقاتلهم زكرويه ثلاثة أيام ، وهم على غير ماء ، فاستسلموا لشدة العطش ، فوضع فيهم السيف وقتلهم عن آخرهم ، وجمع القتلى كالتل ، وأرسل خلف المنهزمين من يبذل لهم الأمان ، فلما رجعوا قتلهم ، وكان في القتلى مبارك القمي ، وولده أبو العشائر بن حمدان .

وكان نساء القرامطة يطفن بالماء بين القتلى يعرضن عليهم الماء ، فمن كلمهن قتلنه ، فقيل إن عدة القتلى بلغت عشرين ألفا ، ولم ينج إلا من كان بين القتلى فلم يفطن له فنجا بعد ذلك ، ومن هرب عند اشتغال القرامطة بالقتل والنهب ، فكان من مات من هؤلاء أكثر ممن سلم ومن استعبدوه ، وكان مبلغ ما أخذوه من هذه القافلة ألفي ألف دينار .

وكان في جملة ما أخذوا فيها أموال الطولونية وأسبابهم ، فإنهم لما عزموا على الانتقال من مصر إلى بغداذ خافوا أن يستصحبوها فتؤخذ منهم ، فعملوا الذهب والنقرة سبائك ، وجعلوها في حدائج الجمال ، وجميع ما لهم من الحلي والجوهر ، وسيروا الجميع إلى مكة سرا ، وسار من مكة في هذه القافلة فأخذت .

وبث زكرويه الطلائع خوفا من عسكر الخليفة الذي كان بالقادسية ، وأقام ينتظر وصول من كان في الحج من عسكر الخليفة وأصحابه ، فكانوا بفيد ينتظرون هل تعرض القرامطة للحاج أم لا ، فكان معهم جماعة من التجار أرباب الأموال ، فلما بلغهم ما صنع القرامطة أقاموا ينتظرون وصول عسكر من عند الخليفة ، فسار زكرويه إليهم

[ ص: 557 ] وغور الآبار ، والمصانع ، والمياه إلى فيد ، فاحتمى أهل فيد ومن بها من الحجاج بالحصنين اللذين بفيد وحصرهم فيهما القرامطة ، وأرسل زكرويه إلى أهل فيد يأمرهم بإخراجهم أو بتسليم الحصنين إليه ، وبذل لهم الأمان على ذلك ، فلم يجيبوه ، فتهددهم بالنهب والقتل ، فازداد امتناعهم ، وأقام عليهم عدة أيام ، ثم سار إلى النباج ثم إلى حفير أبي موسى .

التالي السابق


الخدمات العلمية