صفحة جزء
ذكر وفاة سعد الدولةبن حمدان

فلما برز سعد الدولة ليسير إلى دمشق لحقه قولنج ، فعاد إلى حلب ليتداوى ، فزال ما به وعوفي ، وعزم على العود إلى معسكره ، وحضر عند إحدى سراريه فواقعها فسقط عنها وقد فلج وبطل نصفه ، فاستدعى الطبيب ، فقال له : أعطني يدك لآخذ مجسك فأعطاه اليسرى ، فقال : أعطني اليمين فقال : لا تركت لي اليمين يمينا ، يعني نكثه بأولاد بكجور هو الذي أهلكه ، ( وقد ذكر ذلك ) ، وندم عليه حيث لم تنفعه الندامة ، وعاش بعد ذلك ثلاثة أيام ومات بعد أن عهد إلى ولده أبي الفضائل ، ووصى إلى لؤلؤ به وبسائر أهله .

[ ص: 450 ] فلما توفي قام أبو الفضائل ، وأخذ له لؤلؤ العهد على الأجناد ، وتراجعت العساكر إلى حلب .

وكان الوزير أبو الحسن المغربي قد سار من مشهد علي ، عليه السلام ، إلى العزيز بمصر ، وأطمعه في حلب ، فسير جيشا وعليهم منجوتكين أحد أمرائه ( إلى حلب ) ، فسار إليها في جيش كثيف فحصرها ، وبها أبو الفضائل ولؤلؤ ، فكتبا إلى بسيل ملك الروم يستنجدانه ، وهو يقاتل البلغار ، فأرسل بسيل إلى نائبه بأنطاكية يأمره بإنجاد أبي الفضائل ، فسار في خمسين ألفا ، حتى نزل على الجسر الجديد بالعاصي ، فلما سمع منجوتكين الخبر سار إلى الروم ليلقاهم قبل اجتماعهم بأبي الفضائل ، وعبر إليهم العاصي ، وأوقعوا بالروم فهزموهم وولوا الأدبار إلى أنطاكية ، وكثر القتل فيهم .

وسار منجوتكين إلى أنطاكية ، فنهب بلدها وقراها وأحرقها ، وأنفذ أبو الفضائل إلى بلد حلب ، فنقل ما فيه من الغلال وأحرق الباقي إضرارا بعساكر مصر ، وعاد منجوتكين إلى حلب فحصرها ، فأرسل لؤلؤ إلى أبي الحسن المغربي وغيرهم وبذل لهم مالا ليردا منجوتكين عنهم ، هذه السنة ، بعلة تعذر الأقوات ، ففعلوا ذلك ، وكان منجوتكين قد ضجر من الحرب ، فأجابهم إليه وسار إلى دمشق .

ولما بلغ الخبر إلى العزيز غضب وكتب بعود العسكر إلى حلب ، وإبعاد المغربي ، وأنفذ الأقوات من مصر في البحر إلى طرابلس ، ومنها إلى العسكر ، فنازل العسكر حلب ، وأقاموا عليها ثلاثة عشر شهرا ، فقلت الأقوات بحلب .

وعاد [ إلى ] مراسلة ملك الروم والاعتضاد به ، وقال له : متى أخذت حلب أخذت أنطاكية وعظم عليك الخطب . وكان قد توسط بلاد البلغار ، فعاد وجد في السير ، وكان الزمان ربيعا ، وعسكر مصر قد أرسل إلى منجوتكين يعرفه الحال ، وأتته جواسيسه بمثل ذلك ، فأخرب ما كان بناه من سوق وحمام وغير ذلك ، وسار [ ص: 451 ] كالمنهزم عن حلب ، ووصل ملك الروم فنزل على باب حلب ، وخرج إليه أبو الفضائل ولؤلؤ ، وعاد إلى حلب ، ورحل بسيل إلى الشام ، ففتح حمص وشيزر ونهبهما ، وسار إلى طرابلس فنازلها ، فامتنعت عليه ، وأقام عليها نيفا وأربعين يوما ، فلما أيس منها عاد إلى بلاد الروم .

ولما بلغ الخبر إلى العزيز عظم عليه ، ونادى في الناس بالنفير لغزو الروم ، وبرز من القاهرة ، وحدث به أمراض منعته ، وأدركه الموت ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية