صفحة جزء
ذكر شيء من سيرته .

كان عاقلا حليما من أشد الناس احتمالا ، وأكثرهم كتمانا لسره ، ظفر بملطفات كتبها بعض خواصه إلى الملك أبي كاليجار ، فلم يطلعه على ذلك ، ولا تغير عليه ، حتى أظهره بعد مدة طويلة لغيره .

وحكى عنه أقضى القضاة الماوردي قال : لما أرسلني القائم بأمر الله إليه سنة [ ص: 185 ] ثلاث وثلاثين ، [ وأربعمائة ] كتبت كتابا إلى بغداذ أذكر فيه سيرته وخراب بلاده ، وأطعن عليه بكل وجه ، فوقع الكتاب من غلامي ، فحمل إليه ، فوقف عليه وكتمه ، ولم يحدثني فيه بشيء ، ولا تغير عما كان عليه من إكرامي .

وكان ، رحمه الله ، يحافظ على الصلوات ، ويصوم الاثنين ، والخميس ، وكان لبسه الثياب البياض ، وكان ظلوما ، غشوما ، قاسيا ، وكان عسكره يغصبون الناس أموالهم ، وأيديهم مطلقة في ذلك نهارا وليلا .

وكان كريما ، فمن كرمه أن أخاه إبراهيم ينال أسر من الروم ، لما غزاهم ، بعض ملوكهم فبذل في نفسه أربعمائة ألف دينار ، فلم يقبل إبراهيم منه وحمله إلى طغرلبك ، فأرسل ملك الروم إلى نصر الدولة بن مروان حتى خاطب طغرلبك في فكاكه ، فلما سمع طغرلبك رسالته أرسل الرومي إلى ابن مروان بغير فداء ، وسير معه رجلا علويا ، فأنفذ ملك الروم إلى طغرلبك ما لم يحمل في الزمان المتقدم ، وهو ألف ثوب ديباج ، وخمسمائة ثوب أصناف ، وخمسمائة رأس من الكراع إلى غير ذلك ، وأنفذ مائتي ألف دينار ، ومائة لبنة فضة ، وثلاثمائة شهري ، وثلاثمائة حمار مصرية ، وألف عنز بيض الشعور ، سود العيون والقرون ، وأنفذ إلى ابن مروان عشرة أمناء مسكا ، وعمر ملك الروم الجامع الذي بناه مسلمة بن عبد الملك بالقسطنطينية ، وعمر منارته ، وعلق فيه القناديل ، وجعل في محرابه قوسا ونشابة ، وأشاع المهادنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية