[ ص: 194 ] ذكر 
فتح  ألب أرسلان  مدينة آني  وغيرها من بلاد النصرانية   . 
ثم سار السلطان من 
الري  أول ربيع الأول ، وسار إلى 
أذربيجان  ، فوصل إلى 
مرند  عازما على قتال 
الروم  وغزوهم ، فلما كان 
بمرند  أتاه أمير من أمراء 
التركمان  ، كان يكثر غزو 
الروم  ، اسمه  
طغدكين  ، ومعه من عشيرته خلق كثير ، قد ألفوا الجهاد ، وعرفوا تلك البلاد ، وحثه على قصد بلادهم ، وضمن له سلوك الطريق المستقيم إليها ، فسار معه ، فسلك بالعساكر في مضايق تلك الأرض ومخارمها ، فوصل إلى 
نقجوان  ، فأمر بعمل السفن لعبور 
نهر أرس  ، فقيل له إن سكان 
خوي  ، 
وسلماس  ، من 
أذربيجان  ، لم يقوموا بواجب الطاعة ، وإنهم قد امتنعوا ببلادهم ، فسير إليهم عميد 
خراسان  ، ودعاهم إلى الطاعة ، وتهددهم إن امتنعوا ، فأطاعوا ، وصاروا من جملة حزبه وجنده ، واجتمع عليه هناك من الملوك والعساكر ما لا يحصى . 
فلما فرغ من جمع العساكر والسفن سار إلى 
بلاد الكرج  ، وجعل مكانه في عسكره ولده  
ملكشاه  ،  
ونظام الملك  وزيره ، فسار  
ملكشاه  ونظام الملك  إلى قلعة فيها جمع كثير من 
الروم  ، فنزل أهلها منها ، وتخطفوا من العسكر ، وقتلوا منهم فئة كثيرة ، فنزل  
نظام الملك  وملكشاه  ، وقاتلوا من بالقلعة ، وزحفوا إليهم ، فقتل أمير القلعة ، وملكها المسلمون ، وساروا منها إلى 
قلعة سرماري  ، وهي قلعة فيها المياه الجارية والبساتين ، فقاتلوها وملكوها ، وأنزلوا منها أهلها ، وكان بالقرب منها قلعة أخرى ، ففتحها  
ملكشاه  ، وأراد تخريبها ، فنهاه  
نظام الملك  عن ذلك ، وقال : هي ثغر للمسلمين ، وشحنها بالرجال والذخائر والأموال والسلاح ، وسلم هذه القلاع إلى أمير 
نقجوان    .  
[ ص: 195 ] وسار  
ملكشاه  ونظام الملك  إلى مدينة 
مريم نشين  ، وفيها كثير من الرهبان والقسيسين وملوك النصارى وعامتهم يتقربون إلى أهل هذه البلدة ، وهي مدينة حصينة ، سورها من الأحجار الكبار الصلبة ، المشدودة بالرصاص والحديد ، وعندها نهر كبير ، فأعد  
نظام الملك  لقتالها ما يحتاج إليه من السفن وغيرها ، وقاتلها ، وواصل قتالها ليلا ونهارا ، وجعل العساكر عليها يقاتلون بالنوبة ، فضجر الكفار ، وأخذهم الإعياء والكلال ، فوصل المسلمون إلى سورها ، ونصبوا عليه السلاليم ، وصعدوا إلى أعلاه ، لأن المعاول كلت عن نقبه لقوة حجره . 
فلما رأى أهلها المسلمين على السور فت ذلك في أعضادهم ، وسقط في أيديهم ، ودخل  
ملكشاه  البلد ،  
ونظام الملك  ، وأحرقوا البيع ، وخربوها ، وقتلوا كثيرا من أهلها ، وأسلم كثير فنجوا من القتل . 
واستدعى  
ألب أرسلان  إليه ابنه ،  
ونظام الملك  ، وفرح بما يسره الله من الفتح على يد ولده ، وفتح  
ملكشاه  في طريقه عدة من القلاع والحصون ، وأسر من النصارى ما لا يحصون كثرة ، وساروا إلى 
سبيذ شهر  ، فجرى بين أهلها وبين المسلمين حروب شديدة استشهد فيها كثير من المسلمين ، ثم إن الله تعالى يسر فتحها فملكها  
ألب أرسلان     . 
وسار منها إلى مدينة 
أعآل لآل  ، وهي حصينة ، عالية الأسوار ، شاهقة البنيان ، وهي من جهة الشرق والغرب على جبل عال ، وعلى الجبل عدة من الحصون ، ومن الجانبين الآخرين نهر كبير لا يخاض ، فلما رآها المسلمون علموا عجزهم عن فتحها والاستيلاء عليها ، وكان ملكها من 
الكرج  ، وهكذا ما تقدم من البلاد التي ذكرنا فتحها ، وعقد السلطان جسرا على النهر عريضا ، واشتد القتال وعظم الخطب ، فخرج من المدينة رجلان يستغيثان ، ويطلبان الأمان ، والتمسا من السلطان أن يرسل   
[ ص: 196 ] معهما طائفة من العسكر ، فسير جمعا صالحا ، فلما جاوزوا الفصيل أحاط بهم 
الكرج  من أهل المدينة وقاتلوهم فأكثروا القتل فيهم ، ولم يتمكن المسلمون من الهزيمة لضيق المسلك . 
وخرج 
الكرج  من البلد وقصدوا العسكر ، واشتد القتال ، وكان السلطان ، ذلك الوقت ، يصلي ، فأتاه الصريخ ، فلم يبرح حتى فرغ من صلاته ، وركب ، وتقدم إلى الكفار ، فقاتلهم ، وكبر المسلمون عليهم ، فولوا منهزمين ، فدخلوا البلد والمسلمون معهم ، ودخلها السلطان وملكها ، واعتصم جماعة من أهلها في برج من أبراج المدينة ، فقاتلهم المسلمون ، فأمر السلطان بإلقاء الحطب حول البرج وإحراقه ، ففعل ذلك ، وأحرق البرج ومن فيه ، وعاد السلطان إلى خيامه ، وغنم المسلمون من المدينة ما لا يحد ولا يحصى . 
ولما جن الليل عصفت ريح شديدة . وكان قد بقي من تلك النار التي أحرق بها البرج بقية كثيرة ، فأطارتها الريح ، فاحترقت المدينة بأسرها ، وذلك في رجب سنة ست وخمسين وأربعمائة ، وملك السلطان قلعة حصينة كانت إلى جانب تلك المدينة ، وأخذها . وسار منها إلى ناحية 
قرس  ومدينة 
آني  بالقرب منها ناحيتان يقال لهما 
سيل ورده    . 
ونورة  ، فخرج أهلها مذعنين بالإسلام ، وخربوا البيع ، وبنوا المساجد . 
وسار منها إلى مدينة 
آني  فوصل إليها فرآها مدينة حصينة ، شديدة الامتناع ، لا ترام ، ثلاثة أرباعها على 
نهر أرس  ، والربع الآخر نهر عميق شديد الجرية ، لو طرحت فيه الحجارة الكبار لدحاها وحملها ، والطريق إليها على خندق عليه سور من الحجارة الصم ، وهي بلدة كبيرة ، عامرة ، كثيرة الأهل ، فيها ما يزيد على خمسمائة بيعة ، فحصرها وضيق عليها ، إلا أن المسلمين قد أيسوا من فتحها لما رأوا من حصانتها ، فعمل السلطان برجا من خشب ، وشحنه بالمقاتلة . ونصب عليه المنجنيق ، ورماة النشاب ، فكشفوا الروم عن السور ، وتقدم المسلمون إليه لينقبوه ، فأتاهم من لطف الله ما لم يكن في حسابهم ، فانهدم قطعة كبيرة من السور بغير سبب ، فدخلوا المدينة وقتلوا من أهلها ما لا يحصى بحيث إن كثيرا من المسلمين عجزوا عن دخول البلد من كثرة القتلى ، وأسروا نحوا مما قتلوا .  
[ ص: 197 ] وسارت البشرى بهذه الفتوح في البلاد ، فسر المسلمون ، وقرئ كتاب الفتح 
ببغداذ  في دار الخلافة ، فبرز خط الخليفة بالثناء على  
ألب أرسلان  والدعاء له . 
ورتب السلطان فيها أميرا في عسكر جرار ، وعاد عنها ، وقد راسله ملك 
الكرج  في الهدنة ، فصالحه على أداء الجزية كل سنة ، فقبل ذلك . 
ولما رحل السلطان عائدا قصد 
أصبهان  ، ثم سار منها إلى 
كرمان  ، فاستقبله أخوه  
قاورت بك بن جغري بك داود  ، ثم سار منها إلى 
مرو  ، فزوج ابنه  
ملكشاه  بابنة  
خاقان  ، ملك 
ما وراء النهر  ، وزفت إليه في هذا الوقت ، وزوج ابنه  
أرسلانشاه  بابنة صاحب 
غزنة  ، واتحد البيتان البيت السلجوقي ، والبيت المحمودي ، واتفقت الكلمة .