ذكر 
وفاة  الملك العادل  وملك أولاده بعده توفي  
 nindex.php?page=showalam&ids=14732الملك العادل أبو بكر بن أيوب  سابع جمادى الآخرة من سنة خمس عشرة وستمائة ، وقد ذكرنا ابتداء دولتهم عند ملك عمه  
 nindex.php?page=showalam&ids=16184أسد الدين شيركوه  ديار مصر  سنة أربع وستين وخمسمائة ، ولما ملك أخوه  
 nindex.php?page=showalam&ids=16236صلاح الدين يوسف بن أيوب  ديار مصر  ، بعد عمه ، وسار إلى 
الشام  استخلفه 
بمصر  ثقة به ، واعتمادا عليه ، وعلما بما هو عليه من توفر العقل وحسن السيرة . 
فلما توفي أخوه  
صلاح الدين  ملك 
دمشق  وديار مصر  ، كما ذكرناه ، وبقي مالكا للبلاد إلى الآن ، فلما ظهر الفرنج ، كما ذكرناه سنة أربع عشرة وستمائة ، قصد هو 
مرج   [ ص: 327 ] الصفر  ، فلما سار الفرنج إلى 
ديار مصر  انتقل هو إلى عالقين ، فأقام به ومرض ، وتوفي وحمل إلى 
دمشق    . فدفن بالتربة التي له بها . 
وكان عاقلا ، ذا رأي سديد ، ومكر شديد ، وخديعة ، صبورا حليما ، ذا أناة ، يسمع ما يكره ويغضي عليه حتى كأنه لم يسمعه ، كثير الحرج وقت الحاجة لا يقف في شيء وإذا لم تكن حاجة فلا . 
وكان عمره خمسا وسبعين سنة وشهورا لأن مولده كان في المحرم من سنة أربعين وخمسمائة ، وملك 
دمشق  في شعبان سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة من  
الأفضل  ابن أخيه ، وملك 
مصر  في ربيع الآخر من سنة ست وتسعين أو منه أيضا . 
ومن أعجب ما رأيت من منافاة الطوالع أنه لم يملك الأفضل مملكة قط إلا وأخذها منه عمه  
العادل  ، فأول ذلك أن  
صلاح الدين  أقطع ابنه  
الأفضل  حران  ، 
والرها  ، وميافارقين سنة ست وثمانين ، بعد وفاة  
تقي الدين  ، فسار إليها ، فلما وصل إلى 
حلب  أرسل أبوه  
الملك العادل  بعده ، فرده من 
حلب  ، وأخذ هذه البلاد منه . 
ثم  
ملك الأفضل  بعد وفاة أبيه مدينة 
دمشق  ، فأخذها منه ، ثم ملك 
مصر  بعد وفاة أخيه  
الملك العزيز  ، فأخذها أيضا منه ، ثم ملك صرخد فأخذها منه . 
وأعجب من هذا أنني رأيت 
بالبيت المقدس  سارية من الرخام ملقاة في بيعة صهيون ، ليس مثلها ، فقال القس الذي بالبيعة : هذه كان قد أخذها  
الملك الأفضل  لينقلها إلى 
دمشق  ، ثم إن  
العادل  أخذها بعد ذلك من  
الأفضل  ، طلبها منه فأخذها . وهذا غاية ، وهو من أعجب ما يحكى . 
وكان  
العادل  قد قسم البلاد في حياته بين أولاده . فجعل 
بمصر  الملك الكامل محمدا  ، 
وبدمشق  ، 
والقدس  ، 
وطبرية  ، 
والأردن  والكرك  وغيرها من الحصون المجاورة لها ، ابنه  
 nindex.php?page=showalam&ids=15280المعظم عيسى  ، وجعل بعض 
ديار الجزيرة  وميافارقين  وخلاط  وأعمالها لابنه  
 nindex.php?page=showalam&ids=13710الملك الأشرف موسى  ، وأعطى 
الرها  لولده  
 nindex.php?page=showalam&ids=15259شهاب الدين غازي  ، وأعطى 
قلعة جعبر  لولده الحافظ  
أرسلان شاه     ; فلما توفي ثبت كل منهم في المملكة التي أعطاه أبوه ،   
[ ص: 328 ] واتفقوا اتفاقا حسنا لم يجر بينهم من الاختلاف ما جرت العادة أن يجري بين أولاد الملوك بعد آباءهم ، بل كانوا كالنفس الواحدة ، كل منهم يثق بالآخر بحيث يحضر عنده منفردا من عسكره ولا يخافه ، فلا جرم زاد ملكهم ، ورأوا من نفاذ الأمر والحكم ما لم يره أبوهم . 
ولعمري إنهم نعم الملوك ، فيهم الحلم ، والجهاد ، والذب عن الإسلام ، وفي نوبة 
دمياط  كفاية ، وأما  
 nindex.php?page=showalam&ids=13710الملك الأشرف  فليس للمال عنده محل ، بل يمطره مطرا كثيرا لعفته عن أموال الرعية ، دائم الإحسان ، لا يسمع سعاية ساع .